سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كنت أخشى فقدان سلطة الكتابة بمجرّد وصولي إلى رئاسة الاتحاد.. الدّكتور صلاح الدّين بوجاه رئيس اتحاد الكتّاب التونسيين ل «الشعب»:
العلاقة بين الإبداع والسياسة علاقة مخاتلة لكنّي مع انسجام الدوائر المتباعدة..
من مدارج الكلّية مدرّسا وعميدا، إلى قبّة البرلمان نائبا ومشرّعا وصولا إلى اتّحاد الكتّاب ناشطا ورئيسا.. ظلّ الدكتور صلاح الدين بوجاه في هذا السفر والترحال مبدعا في ضرب لكتابة الروائية بشوشا في كلّ أوجه الحياة المدنيّة. ومع هذه السّمات العامّة الثابتة في شخصيته وفي وظائفه حاولت «الشعب» استضافته لمعرفة طبيعة المسافات ونوعية العلاقات في هذه المحطّات وبين هذه المسؤوليات خاصّة أنّه يستعد لتنظيم ندوة فكرية بالاشتراك مع الاتحاد العام التونسي للشغل حول «خمسون سنة من الأدب الاجتماعي في تونس» لعلّها في كشفها عن المسكوت عنه اطلالة مشروعة عمّا يكتنف رسالته الاجتماعية والأدبيّة من مرام واهداف.. فكان هذا اللّقاء.. * إلى أي مدى يمكن القول إنّه بمجرّد وصولك إلى رئاسة اتحاد الكتّاب قد فقدت سلطة الكتابة؟ كنت أخشى ذلك في البداية، بل يمكنني أن أقول إنّ الشهرين الأوّلين قد أصاباني بشيء من الارتباك، إذ أقبلت على مناخ جديد غريب بالنسبة إليّ وانشغلت بمحاولة إعادة الأمور إلى نصابها. لكنّني عدت بعد ذلك مباشرة إلى التوازن السابق، وأنا بصدد اتمام رواية جديدة تحمل عنوان «لون الرّوح» أضمن أنّها ذات موضوع طريف، إذ تتناول قضية الارهاب بشكل فنّي بحيث لا تخوض فيها مباشرة إنّما تتناول تدخّل الدول في العالم في قداسة واستقلالية الحياة الشخصية بالاضافة الى مسألة السجون التي تعتبر خلفية من الخلفيات الأساسية. كذلك، فإنّ سلطة الكتابة حاضرة في تقديري، وأملي أن يزداد حضورها تكذيبا لتلك المقولة التي تجعل الاشراف الإداري أو التسيير الجمعياتي مناقضا للعمل الإبداعي. * الرواية، مجلس النوّاب واتحاد الكتّاب، أين يتنفّس صلاح الدين بوجاه ملء الصدر، ملء الرئتين؟ الإجابة الصريحة المباشرة أنّني أتنفّس ملء الرئتين في الرواية، لكنّني تعلّمت أيضا كيف أتنفّس في المناخات الأخرى خاصّة أنّني قد قضيت أكثر من 12 سنة في مجلس النوّاب وأعتقد أنّني اكتسبت تجربة تجعلني أنهض بعملي دون أن يمثل قيدا حقيقيا يمنعني من الاهتمام بما أحب. ويمكنني أن ألاحظ أيضا أنّ المبدع يبحث عن نماذج شخصياته في كلّ مكان، لهذا يمكنني أن أعثر على عديد الوجوه التي أتناولها تناولا إبداعيا سواء كان ذلك في اتحاد الكتّاب أو في مجلس النوّاب ولا أذيع سرّا إذا لاحظت أنّني بصدد إعداد كتاب بين القصص والسير الذاتي اخترت له مبدئيا عنوان «وجوه» واستعنت فيه ببورتريهات حاتم المكّي، ولا أعتقد أنّ الكثير ممّن عرفت في السّاحات غير الإبداعية غائبون تماما عن هذا الكتاب، وتدرك جيّدا أنّ القدامى كانوا مولعين بكتب الأنفس وأعتقد أنّ هذا المصنّف يمكن أن يندرج ضمن هذه الخانة، فنصوصه قصيرة لكنّها كثيرة، ويمكن أن أخصّص أكثر من نص لشخصية واحدة، بالإضافة إلى وجوه بورتريهات لأصدقائي وأسرتي وبعض الكتّاب والسياسيين المشاهير. * بين السياسة والإبداع، هل هناك علاقة مودّة أم مخاتلة؟ العلاقة في أصلها علاقة مخاتلة، لكنّني اكتشفت أنّ طبعي يتماشى مع الانسجام بين هذه الدوائر المتباعدة، لذلك أزعم أنّني قد تمكّنت من اكتشاف علاقة مودة ما بين السياسة والإبداع، بل أعتقد أنّ الأمر قد غدا من قبيل التراشح بينها، بحيث سيستفيد الإبداع من السياسة وتستفيد السياسة من الإبداع. * إذا كان للقيروان أثر كبير في بناء الرواية، فهل لنقدك وسائل هدم لمدن نصوص أخرى؟ في هذا الصدد أريد أن ألاحظ أنّني كاتب رواية بالأساس، فما نشرت من دراسات قد خصّص في الغالب للحصول على شهادات جامعية وأنا لا أعتقد أنّ الأستاذ الجامعي يغدو ناقدا بالضروة. لهذا كنت فيما أقول وأكتب أشيد بنماذج من قبيل أبوزيان السعدي وبلقاسم كرو إضافة إلى أولئك الذين تمكّنوا من التحرّر من القيود الجامعية مثل توفيق بكّار، صالح القرمادي ومحمود طرشونة. لهذا أعتقد أنّني أميل كثيرا إلى مجال كتابة الرواية. وقد أشرتم إلى حضور القيروان وهو حضور كبير جدّا فيما أكتب. ويمكنني أن أضيف إليها الضواحي الشمالية (المرسى وحلق الوادي وسيدي بوسعيد) وخاصّة في المجموعة القصصية «لا شيء يحدث الآن». ومن الطريف أن أعلن أنّ الرواية الجديدة التي هي بصدد الرّقن الآن قد اتّخذت لها مكانا غير محدّد. فهو في صحراء من صحاري الجنوب غير محدّدة المعالم وغير بعيدة كثيرا عن حدود «البلد الفضفاض» الذي قد يكون إسرائيل. لهذا فأنا لا أقدّم أيّة سمات واضحة للمكان، فهو مكان عام ضبابي غير واضح. * بقدر نفورك من كتابة الشعر، أراك تقدّم رواية محجوب العياري التي تقيم علاقة غير شرعية مع الشكل، فبماذا تجيب؟ المسألة واضحة جدّا في أسلوب محجوب العياري، فهو شاعر ناثر أو ناثر شاعر وقد أنصت إلى أغلب ما كتب مشافهة وكنّا نمضي الوقت الطويل في التحاور حول إبداعه وأعتقد أنّ أعماله أقرب إلى الشعر، لهذا فقد، تجاوبت مع روايته الأولى على اعتبارها تمثّل فضاء وسطا بين الشعر والنثر. لكن هذا لا يتأتّى لأي كان وأنا أنتظر من محجوب في أعماله الروائية المقبلة المزيد من الاخلاص لفن الرواية. لأنّ مرتكز الثقل في الشعر ينبع من قيمة اللحظة وجمال الصورة، بينما ينبع مرتكز الثقل في الرواية من التفصيل والتفريع والابتعاد عن الاكتناز وتقديم صورة صادمة أحيانا. لذلك من الصعب جدّا أن يلائم المرء في أسلوبه بين الشعر والرواية. ورغم أنّ هنالك من النقّاد من أكّد أنّني أميل إلى الأسلوب الشعري فقد غدوت منتبها في السنوات الأخيرة إلى أنّ أدبية الرواية تكمن في مجال آخر. * هل تعتقد أنّ الأكاديمي يمكن أن يكون إبداعيا؟ طبعا الأكاديمي لا يمكن أن يكون إبداعيا فهو مناقض للإبداع تماما. والأكاديمي مثل علم النبتات ينبغي أن يجمع ويقارب ويستنتج ويضبط الصفات والسمات وهذا ليس من خصائص المبدع. المبدع يتعامل مع الوجود بالحدس ولا تعنيه الدقّة. لهذا أعتقد أنّنا إزاء مجالين مختلفين. لكن هذا لا يمنع شخصا واحدا من الاشتغال بالمجالين، والأمثلة في التاريخ كثيرة، سواء في تاريخنا العربي أو في التاريخ الغربي. * ستعقدون بالتعاون مع الاتحاد العام التونسي للشغل ندوة «خمسون سنة من الأدب الاجتماعي»، ما الذي شرّع هذا الاختيار: الزمن، الأثر، أم «الاتحاد»؟ انّني أعلّق اهتماما كبيرا على هذه الندوة خاصّة أنّنا نقبل على التعاون مع منظمة عتيدة مثل اتحاد الشغل للتجربة الطويلة في النضال وفي تنظيم الندوات. والحق أنّني كنت أتساءل دائما عن الخمسين سنة الأخيرة في دولة الاستقلال والتغيير وعمّا تراكم حولها من انتاج أدبي مشوب بمواقف اجتماعية غير خالصة تماما من التأثيرات السياسية، لكنّها تسهم بشكل من الأشكال في تلوين الذائقة الابداعية. هذا هو مدام استفهاماتنا في هذه الندوة، ونترك الحكم لحضرتكم بعد انجازها، لكنّنا نرغب في نشر أعمالها في كتاب لإيماننا بأنّ المدوّن هو الذي يبقى.