شكل حدث طرد العرب من الأندلس جرحا ،لا يزال ينزف في اللاوعي العربي ولا يزال يمثل أحد أهم الأسباب التي وترت علاقة العرب بالآخر، حتى لكأنها العقدة التاريخية والحضارية الكبرى والمستعصية والتي صعب تجاوزها وإذا كانت الأندلس قد سقطت من جغرافيا العرب ،فإنها تحولت الى فضاء اللغة كي تستمر في الوجود لذلك نجدها حاضرة بقوة في الشعر العربي والرواية والفن التشكيلي والغناء والموسيقى ،مشكلة نافورة لإستعادة الشعور بالمجد العربي في أبهى مراحل التاريخ. فالأندلس التي كانت والأندلس المتخيلة والأندلس المجد الماضي والجرح الدامي في آن قد سكنت ملكوت الرمز وأصبحت ذات دلالات قوية في المخيال الثقافي والاجتماعي العربيين. وهي موضوع على غاية من الأهمية ولا ينفك الباحثون عن الاهتمام به والحفر فيه. وها أن العالم العربي بعد عام ونصف سيكون على موعد مع احياء ذكرى مرور 400عاما على طرد العرب من الأندلس لذلك بدأت بعض الأصوات من هنا وهناك تنادي بتنظيم ملتقيات علمية في حجم الذكرى وامكانيات الاعتبار على أكثر من صعيد . وفي نفس الإطار، تعتزم مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بتونس خلال سنة ونصف تنظيم مؤتمر دولي استثنائي بمناسبة ذكرى مرور أربعمائة سنة على طرد الموريسكيين من بلادهم الأندلس (1609-2009). و لهذا المؤتمر أبعاده التاريخية والحضارية الأكيدة إلى جانب راهنيته، حيث يندرج ضمن ظرفية عالمية, ركزت على حوار الحضارات والثقافات والتعايش السلمي والاعتراف بالآخر وحق الاختلاف والتنوع الثقافي, وهي من القيم التي لم يتمتع بها الموريسكيون الأندلسيون في بلادهم آنذاك خلال القرن السادس عشر نتيجة سلوكيات محاكم التفتيش الرهيبة تجاههم, إلا أنهم حظوا بها بنسب مختلفة, في بلدان الاستقبال بشمال إفريقيا أساسا وكذا السواحل المتوسطية وفي العالم الجديد. في نطاق الاهتمام بالدراسات الموريسكية-الأندلسية، من المهم الإشارة والتذكير بأن مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات منذ سنة 1983 قد كانت نظمت ثلاثة عشر مؤتمرا دوليا وكان أهمها هو ذلك المؤتمر الذي نظم سنة 1992, بمناسبة ذكرى مرور خمسمائة سنة على سقوط غرناطة، آخر معاقل العرب المسلمين بالأندلس (1492-1992). وقد استطاعت المؤسسة بهذه المناسبة أن تستقطب حوالي مائة من المؤرخين من أوروبا وأمريكا وبعض البلاد العربية. و نشرت أعمال ذلك المؤتمر بعدة لغات في مجلدين ضخمين يشكلان مرجعا بالنسبة للمهتمين بالملف الموريسكي الأندلسي. مع العلم أن المؤسسة نشرت حتى اليوم أكثر من ستمائة (600) دراسة أكاديمية حول هذا الحقل من الدراسات. ولمؤتمر ذكرى مرور 400عاما على طرد العرب من الأندلس والذي سيعقد كما أسلفنا بعد عام ونصف محوران أساسيان هما: أولا- الانعكاسات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية لطرد الموريسكيين الأندلسيين (1609-2009) سواء على مستوى إسبانيا ومن خلال التعرف على الوزن الديمغرافي والاقتصادي للموريسكيين الأندلسيين أو على مستوى بلدان الاستقبال بمعنى الإسهامات الأندلسية المهنية والحضارية خارج وطنهم الأندلس. ثانيا: استخلاص الدروس من مأساة طرد الموريسكيين الأندلسيين والمقصود بذلك القطع تماما مع سلوكيات محاكم التفتيش القديمة والحديثة وتنمية قيم التسامح والتعايش والاعتراف بالآخر بالإضافة الى مواجهة الأزمات الإنسانية مستقبلا وتبني منظومة جديدة من الأنسنة والتعايش والشراكة الحضارية.