بين الضغوط الشعبية المتزايدة لشن هجوم عسكري ضدّ متمردي «حزب العمّال الكردستاني» والمساعي الدولية المكثفة الداعية إلى ضبط النفس، تجد حكومة أنقرة نفسها في وضع حرج قبل اتخاذ قرار سياسي لإطلاق عملية عسكرية شاملة ضدّ قواعد المتمردين الأكراد شمال العراق. ويبدو أنّ خيار الديبلوماسية النشيطة قد يتيح الفرصة للقيادة السياسية التركية للخروج من هذا المأزق بأخف الأضرار حيث ستتجه الأنظار إلى الزيارة المرتقبة التي سيؤديها رئيس الوزراء التركي إلى واشنطن في الخامس من الشهر المقبل للتشاور مع الإدارة الأمريكية حول هذه الأزمة وتداعياتها والحلول الممكنة لتجاوزها. وستسبق هذه الزيارة تحوّل وزيرة الخارجية الأمريكية إلى أنقرة مطلع الشهر نفسه للغرض ذاته فيما يقوم حاليا وزير الخارجية التركي بزيارة إلى طهران لبحث هذا الملف مع الحكومة الإيرانية. وفي انتظار نتائج هذه الجهود الديبلوماسية الحثيثة لنزع فتيل هذه الأزمة الحادّة، أعلنت تركيا على لسان أحد القادة العسكريين أن قواتها لن تقوم بعبور الحدود ولن تنفذ عملية عسكرية كبيرة للقضاء على قواعد المتمردين شمال العراق قبل الزيارة المنتظرة لرئيس الوزراء أردوغان إلى واشنطن. لقد دعت الحكومة التركية منذ أيام السلطات الأمريكية والعراقية إلى اتخاذ خطوات عملية وفورية لتجنب عملية عسكرية تركية باتت وشيكة، إلا أنّ القيادة العسكرية الأمريكية في العراق نفت أن تكون لديها خطط للتدخل في كردستان اعتبارا إلى أن «الأنشطة التي يقوم بها المتمردون الأكراد لاتدخل في نطاق مسؤولية القيادة الأمريكية»، فيما اعتبرت المقترحات التي تقدّم بها وفد عراقي خلال زيارة إلى أنقرة برئاسة وزير الدفاع مؤخرا غير مرضية للجانب التركي. وفي ظل هذه المساعي الديبلوماسية لتطويق الأزمة، تتقلص الخيارات أمام الحكومة التركية حيث أن توغلها العسكري شمال العراق في صورة حدوثه قد يهدد بتأزّم العلاقات مع واشنطن التي تعتبر تركيا من أبرز حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة والعضو المسلم الوحيد في حلف شمال الأطلسي كما تتخوّف أنقرة ذاتها من أن يؤدّي التوغّل الذي تلوّح به إلى مواجهات عسكرية طويلة دون نهاية حاسمة للنزاع على حساب تحالفاتها الدولية. ولعلّ في هذه التحركات الديبلوماسية الحثيثة ما يوحي في صورة فشلها بأن فتح جبهة عسكرية إضافية شمال العراق قد يلحق أضرارا كبيرة بمخططات واشنطن في هذا البلد كما في المنطقة بأسرها خصوصا أن الحكومة التركية ما فتئت تغازل إيران ضمن حسابات دقيقة لها دلالات ومغازٍ عديدة يبدو أن إدارة بوش قد التقطتها وتنبهت إلى مضامينها.