اصوات المعارضين للحرب في العراق عادت مجددا لترتفع في امريكا مطالبة ادارة الرئيس جورج بوش باعادة حساباتها الخاطئة وتحديد موعد لسحب القوات الامريكية من هذا البلد وذلك في الذكرى الخامسة على تصويت مجلس الشيوخ على قراره السماح بشن الحرب على العراق بكل ما حمله ذلك القرار من سيناريوهات كارثية على كامل المنطقة.... من نيويورك الى لوس انجلوس وشيكاغو وسان فرانسيسكو او حتى غيرها من المدن تحدى الاف المتظاهرين الامريكيين الامطار وخرجوا للاحتجاج ضد الحرب المستمرة في العراق مرددين نفس تلك الشعارات التي ظلوا متمسكين بها منذ اول ايام الحرب ... و الحقيقة انه اذا كان لا احد بامكانه ان يقلل من اهمية تلك الاصوات التي جمعت في صفوفها ممثلين عن مختلف الاوساط الامريكية بدءا بمشاهير هوليود وصولا الى المحاربين القدامى والجنود العائدين حديثا من العراق وعائلات القتلى الامريكيين واذا كان لا احد بامكانه ان يشكك في نوايا جزء اساسي من الراي العام الامريكي الرافض لسياسة المكيالين والمقتنع بان حقوق الانسان كل لا يتجزا بعد ان ضاق ذرعا بانعكاسات الحرب الثقيلة على حياته اليومية ومصالحه وعلاقاته بالشعوب الاخرى فان الاكيد ان تلك المظاهرات وما صاحبها من استطلاعات للراي لم تساعد في فرض تغيير يذكر على السياسة الخارجية الامريكية الخاضعة لمخططات صقور البيت الابيض ومستشاريه دون غيرهم وانه في افضل الاحوال فقد كانت تلك التحركات تجسد جانبا من حرية التعبير في الشارع الامريكي... صحيح ان الكثير ممن تابعوا مشاهد الاحتجاجات وقرأوا تلك الافتات المعادية للادارة الامريكية او تلك المطالبة بمحاكمة المسؤولين عن تلك الحرب قد شعروا في قرارة انفسهم بشيء من الارتياح النفسي ليس الا فقد اثبتت الاحداث اكثر من مرة ان استطلاعات الراي ومواقف الراي العام الامريكي ليست من يصنع القرار السياسي او يقدر على التاثير فيه... على ان الحقيقة ان عودة المتظاهرين الامريكيين الى الشوارع الامريكية وامام مؤسسات صنع القرار جاءت لتجسد هذا المرة وجها اخر للشارع الامريكي يتجاوز حدود التظاهر ضد ما استنزفته الحرب لدى الجانب الامريكي من خسائر مادية وبشرية وهي خسائر تظل غير قابلة للمقارنة مع حرب فيتنام قبل ثلاثة عقود بعد ان امتدت الازمة الى ما هو اشد عبئا على انتعاش الاقتصاد الامريكي حاضرا ومستقبلا وهو الامر الذي استشعره بصورة جلية دافعوا الضرائب الامريكيون الذين باتوا يرفضون المساهمة في تقديم المزيد من التمويلات لحرب خاسرة منذ البداية لاسيما امام تواتر الدراسات والتقديرات الجديدة التي باتت تشير الى ان نفقات الحرب على العراق وافغانستان سوف تتجاوز التريليون مليار بما يعني ان جيب المواطن الامريكي سيكون مدعوا لتقديم المزيد لتغطية التكاليف المطلوبة من جانب البنتاغون لتلك العمليات العسكرية التي باتت تواجه معارضة اكبر من جانب الراي العام الامريكي ومنظمات المجتمع المدني كل ذلك في الوقت الذي تلتهب فيه اسعار النفط بعد ان تجاوزت الثلاثة والتسعين دولارا للبرميل مطلع الاسبوع بما يؤشر الى ان حجم ازمة الطاقة التي ستلاحق الدول الصناعية الكبرى والتي لن تفلت من تبعاتها الاقتصاديات الصغرى والمتوسطة ليست الا في بدايتها خاصة وان الغموض لا يزال سيد الموقف في الملف النووي الايراني كما في الازمة الراهنة بين تركيا والعراق فضلا عن الحرب المنسية في افغانستان ومنها الى باكستان دون اعتبار لتبعات مؤتر الخريف المرتقب وما يمكن ان يؤول اليه الفشل في العملية السلمية في الشرق الاوسط من تداعيات خطيرة قد يصعب على اكبر السياسين التنبؤ بها في منطقة تختزن اكبر ثروات العالم من الطاقة النفطية الاساسية في غياب المصدر البديل للطاقة على الاقل في الوقت الراهن....