قد لا يكون بامكان أي كان الاقرار ما اذا كان من حسن او ربما من سوء حظ الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما ان يجد نفسه غارقا مع حلول الذكرى السادسة للحرب على العراق في مواجهة اختبار عسيرلم يمهله الكثير من الوقت لتذوق طعم الانتصار بعد الانتخابات الرئاسية ويذكره بالامرالواقع مع بروز فضيحة "المكافات الخيالية" لتسيطر على سطح الاحداث وتثير غضب واستياء الشارع الامريكي الذي كشفت مختلف استطلاعات الراي ان الازمة الاقتصادية باتت شغله الشاغل وان الحرب على العراق تراجعت في حساب اهتماماته ولم تعد اكثر من ذكرى يسعى لتجاوزها... و لعل في دخول الكونغرس على خط الاحداث ما جعل ازمة المكافات وما اثارته وستثيره في المجتمع الامريكي الذي توارث تلك الفكرة بان الحلم الامريكي للجميع باتت تتفاعل لتطرق بعنف باب ادارة الرئيس اوباما بما قد يشكل تهديدا مبكرا لوزير خزانته تيموتي غايتنر الذي يواجه ضغوطات متفاقمة واصوات غاضبة تطالبه بالاستقالة من منصبه الامر الذي دفع بالحكومة الامريكية بدورها الى مطالبة الشركة المعنية باستعادة الحوافز السخية وغير المبررة التي وزعتها على كبار موظفيها بدعوى تفادي نزيف استقالات الخبراء والعقول لديها... ومع انه ليس سرا بالمرة ان الرئيس اوباما اختار ان تكون المعركة الاقتصادية عنوان حملته الانتخابية للفوز بقلوب وعقول الناخب الامريكي فارجح انه لم يكن يتوقع ان تتطور الاحداث لتؤول الى ما الت اليه وهو الذي جند فريقه المالي بكل ثقله وبكل خبرته قبل حتى دخوله البيت الابيض لمواجهة تداعيات اسوا ازمة مالية في البلاد منذ عقود وانقاذ الشركات الكبرى المهددة بالافلاس من الانهيارو تقديم السيولة الكافية لادارة العجلة المالية لتلك المؤسسات قبل ان يجد نفسه بدلا من ذلك في مواجهة فضيحة "المكافات المالية" الجشعة التي اقتطعت لصالح كبار الموظفين وهم الذين فشلوا في انقاذ مؤسساتهم من الانهيار بما يفتح واحدة من اخطر الملفات السياسية والاخلاقية في عالم المال والاعمال ويؤكد ان غياب الشفافية والفساد المالي ليس حكرا على العالم الثالث وانه يمكن ان ينخر ويهدد جسد اكبر المؤسسات الاقتصادية والمالية عندما تتراجع فيها سلطة القانون والمراقبة المسؤولة بعيدا عن كل انواع الحسابات والمصالح الضيقة والصفقات الخفية التي توقع على حساب دافعي الضرائب ضحايا تلك المعاملات واول من يتحمل تبعاتها... لقد كان واضحا ورغم حرصه الشديد على الظهور بمظهر المسيطرعلى الازمة وهو يقف في ساحة البيت الابيض ليرد على اسئلة الصحافيين ان الرئيس الامريكي باراك اوباما لم ينجح في اخفاء احساسه بالحرج وهو يواجه بوادر اول فضيحة تواجهه في مسيرته في الاسابيع الاولى لتوليه منصبه وهو الذي جعل البحث عن حل للازمة المالية الاسوا التي تعصف ببلاده تتصدر اولوياته الراهنة مراهنا بذلك على ان تكون وسيلته لكسب احد اعقد الاختبارات التي تنتظره... فقبل اسبوع فقط كان المتحدث باسم الرئيس الامريكي يقول بكل ثقة في النفس بان الادارة الامريكية تعرف جيدا كيف يصرف كل سنت في شركة "ايه أي جي" التي كانت على وشك السقوط والافلاس قبل ان تتدخل حكومة اوباما لانعاشها وانقاذها من الافلاس قبل ان يتضح وان الادارة لم تكن على علم بمصيرسنت واحد من تلك الاموال... و الحادثة طبعا ليست بمعزل عن احداث باتت تتكرر في خضم تبعات الازمة الاقتصادية العالمية ففي بريطانيا مدير سابق لاحد اكبر البنوك البريطانية تسبب في خسائر فادحة لمؤسسته يحصل على راتب خيالي وهو يحال على التقاعد وفي امريكا تجيز شركة" ايه أي جي" احدى اكبر شركات التامين سابقا صرف مكافات سخية لكبار موظفيها تقدر ب165 مليون دولار بعد حصولها على مساعدات من الحكومة الامريكية ب180 مليون دولار لانقاذها من انهيار وشيك والمشهد نفسه تكرر مع اكثر من مؤسسة بنكية ومالية عريقة في اوروبا بما يؤكد ان الامر يتجاوز حدود ما ينشر منذ فترة بشان اسباب وتداعيات اعصار الازمة الاقتصادية السياسة المتداخلة في كثير من جوانبها بكل ما يمكن ان تخفيه من ممارسات بدافع الجشع والطمع واللهفة على الربح الوفير دون وجه مشروع... و لعل في بوادر اول فضيحة تزحف على ابواب البيت الابيض لتضع الرئيس اوباما امام احد اسوا الاختبارات التي ربما لم يكن يتوقعها في هذه المرحلة المبكرة من ولايته الرئاسية وتثير من حوله موجة من الغضب الشعبي والانتقادات الحادة من جانب دافعي الضرائب الامريكيين ما يمكن ان يؤشر الى ان جذور الازمة اعمق واعقد من ان تختصر في اطار الارقام المعلنة حول الانكماش الاقتصادي والتراجع الحاصل بسبب تراجع اسعار النفط بعد ا ن تحولت الازمة المالية الى ازمة ثقة لا قرار لها بما يعني ان الاساس والشرط المطلوب في نجاح المعاملات المالية وهي الثقة باتت على المحك وقد لايكون من الممكن استعادتها قبل زوال الازمة...و بالعودة الى الذكرى السادسة لاجتياح العراق فقد يكون من المفيد التذكير بان ملف الفساد المالي قد امتد مبكرا الى بلاد الرافدين عقب اعلان مرحلة الفوضى الخلاقة والافلاس الحاصل في خطط وبرامج اعادة اعمار العراق وتبخر مليارات الدولارات التي ضاعت بين كبار المسؤولين الامريكيين والجنرالات المشرفين عليه وبين المؤسسات الامنية الامريكية الخاصة التي يشرف على ادارتها مسؤولون في قائمة صقورالادارة الامريكية السابقة والتي امتدت ايديها الى متاحف العراق وثرواته النفطية وكنوزه الاثرية وغيرها بما يؤكد ان لكل ازمة اقتصادية ازمة اخلاقية تسبقها وان المكافات السخية التي حصل عليها بعضهم على طبق من ذهب صرفت بدون ادنى شك الى غير مستحقيها...