إنّ عملية التغيير التي أقبل عليها سيادة الرئيس زين العابدين بن علي فجر السابع من نوفمبر سنة 1987 لئن تدخل في باب تصحيح المسار وتؤكّد تواصل حلقات الإصلاح في تونس عبر تعاقب الأجيال وتجدّد الرؤى ولا تنكر النهل من ينابيع الرصيد الإصلاحي الوطني، فإنها لا تخلو من عناصر التميّز والتفرّد والخصوصية بما يسندها موضوعيا منزلة الحدث التاريخي البارز في حياة الشعب . حدث سجّلته الذاكرة الوطنية ضمن الأحداث التي تفرض الموضوعية تخليدها لتبقى راسخة في الأذهان على مرّ الأجيال وتشكّل إحدى أبرز المنارات التي تهتدي بها على طريق المستقبل وأحد المصادر الأساسية لاستخلاص الدروس والعبر التي تتسلّح بها في كسب معركة المصير . فالتغيير الذي شهدته تونس هو ثورة بما أحدثه من تحوّلات عميقة توازت فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو هادئ متبصّر حكيم بما أثبته على مرّ السنين من قدرة فائقة على إدخال الإصلاحات وفق جدول زمني تصاعدي يراعي الخصوصيات الوطنية ويضمن أوفر حظوظ النجاح للخطوات المقطوعة ويقي الوطن من مخاطر القفز في المجهول والانزلاق في متاهات التقليد الأعمى والوقوع في فخّ النماذج المسقطة وما تنتهي إليه من انتكاسات. وهو فعل إرادي في مستوى المبادرة وفي مستوى العمق وفي مستوى الشمولية وفي مستوى النّسق حيث لم يأت رضوخا لضغوطات مهما كان مصدرها وإنما جاء استجابة " لحبّ الوطن ونداء الواجب". وهو واضح شفّاف في غايته وثابت العزم على بلوغها مثلما يعكسه التسلسل المتناسق للإصلاحات التشريعية والإجراءات العملية وآليات التنفيذ وفق منهج تدريجي دقيق. والتغيير بهذا المعنى تَمَثُّلٌ جديد لتونس الحاضر وتونس المستقبل، تَمَثُّلٌ يعكس رؤية تحديثية ومقاربة متفرّدة تشكّل نموذجا حقيقا باهتمام الباحثين ومثالا صادقا عن تجربة ناجحة في تحقيق تحوّل متعدّد الأصعدة. إنّ احتفال تونس هذه السنة بعشرينية التحوّل المبارك في كنف النخوة والاعتزاز، هو أفضل مناسبة للوقوف عند المكاسب العملاقة والإنجازات الضخمة التي تحققت في مختلف القطاعات والميادين في ضوء قيادة رشيدة وخيارات صائبة هدفها الأساسي الارتقاء بتونس إلى أعلى المراتب في كنف الممارسة الديمقراطية والتعددية المسؤولة ودعم حقوق الإنسان في بعدها الشمولي. وهو كذلك إقرار بنجاح المقاربة السياسية التونسية في تجذير تونس في هويتها ودفع مسارات الحداثة والتنمية المتضامنة تحقيقا لما يصبو إليه كل التونسيين من تقدّم وازدهار. وما من شك أنّ انخراط كل التونسيين في العمل الإصلاحي المتواصل ومساندتهم للمشروع الحضاري ولمسيرة التغيير بقيادة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي هو خير مترجم لصواب الرؤية الاستشرافية ولشموليتها وأحسن برهان على حكمة القيادة وصواب التوجّهات والاختيارات الرئاسية التي شملت كل الفئات والأصناف دون تمييز أو إقصاء، بما مكّن كل التونسيين من الانتفاع بثمار التغيير وعزّز مكانة بلادنا بين الأمم.