عندما يصرّح النّاطق باسم الخارجيّة السّويسريّة أنّ المبالغ الماليّة للأرصدة المجمّدة في البنوك السّويسريّة والّتي هي على ذمّة الرّئيس المخلوع بن عليّ وأقربائه بلغت قيمتها "أكثر من عشرة ملايين فرنك فرنسي" ( حوالي 10 ملايين يورو) ... وعندما يضيف نفس النّاطق قائلا - بالحرف الواحد - "انّنا لا نعطي أرقاما مفصّلة بل نتحدّث عن أكثر من عشرة ملايين" فمعنى ذلك - بداهة - أنّ هذه الأرقام تمثّل حصيلة مؤقّتة وأوّليّة لمجموع أموال الشّعب التّونسي المسروقة والمنهوبة والمهرّبة الى البنوك السّويسريّة وأنّها ليست الاّ "غيضا من فيض" وأنّ أفراد عصابة "مافيا المجرم بن عليّ" الّذين خانوا الأمانة قد استباحوا بالكامل أموال الدّولة والشّعب وتحوّلوا الى لصوص ضاربين عرض الحائط بكلّ ما هو قيم سامية مثل الشّرف والأمانة ونظافة اليد... وانّ المرء ليتساءل حقيقة - وهو يتابع مثل هذه المعلومات المؤكّدة والموثوقة - : أيّة صفاقة هذه ؟ ومن أين لهؤلاء اللّصوص القذرين بكلّ هذا القدر من "صحّة الرّقعة" (ولا نقول الجرأة) حتّى يتجرّأوا - لا فقط - على أموال المجموعة الوطنيّة فيستبيحونها - جهارا نهارا - بل وكذلك على أن يدوسوا بهنجهيّة على كلّ القيم الأخلاقيّة والدّينيّة والقانونيّة الّتي تنهى عن أن يخون المؤتمن الأمانة أو أن يثري الانسان بطرق غير شرعيّة ... ما من شكّ في أنّ الاجابة على مثل هذا التّساؤل لا تكون الاّ بالاحالة على واقع الفساد المستشري الّذي طبع لأكثر من عقدين مجمل أوجه العمل والأداء في المؤسّسات والادارات والمصالح العموميّة بمختلف أنواعها ومهما كانت طبيعة نشاطها زمن حكم الدّيكتاتور الجبان بن عليّ ... وهو الفساد الّذي كاد يتحوّل - لفرط تفشّيه - الى قاعدة عمل بل نكاد نقول الى "مؤهّل" لا بدّ أن يتوفّر في أيّ مواطن أورجل أعمال أومثقّف أواعلامي يطمح لأن تكون له مشاركة في قطاع بعينه من قطاعات ادارة الشّان العام ... ذلك أنّ الشّعار الخفيّ - المعلن الّذي كان مكتوبا - ضمنيّا - ويحتلّ واجهة كلّ المؤسّسات والمصالح الاداريّة والّذي كان يقرأه المواطن في سرّه وهو يمرّ قبالة أو حذو واحدة من هذه المؤسّسات هو ذاك الّذي يقول بوضوح : "من لم يكن فاسدا عديم الضّمير فلا يدخل علينا"... الحمد للّه أنّ ثورة الشّعب التّونسي البطل الّتي فجّرها وزلزل بها عرش الفساد والاستبداد والّتي قيّض اللّه لها جيشا وطنيّا باسلا تعهّد بحمايتها انّما أتت أساسا لتعيد للقيم النّبيلة، قيم الوطنيّة والصّدق والشّرف والأمانة معانيها وحضورها ... وهي ذاتها الثّورة الّتي ستعيد للعلم الوطني المفدّى مركزيّته وهو يرفرف فوق بناية كلّ مؤسّسة رسميّة مهما كانت طبيعة نشاطها...