تونس الصباح وتمثل الأعلاف على الدوام الهاجس الذي يؤرق مربي الأبقار من الفلاحين نظرا لتكلفتها الباهضة، وذلك للحاجة الدائمة واليومية إليها في تغذية الأبقار الحلوب أو المعدة للتسمين. ولعل هذا الهاجس أخذ يكبر ويخيف الفلاح نظرا لسعر الأعلاف المركبة المستوردة في عمومها من الخارج، علاوة على أنه لم يتم التوصل لحد الآن إلى انتاج هذه الاعلاف في تونس، ثم وفي جانب آخر لا يمكن بأية حال من الاحوال ولحد الآن على الأقل تعويض هذه الأعلاف بالأعشاب التي توجد في المراعي نظرا لعدم تلبيتها لحاجيات البقرة في مجال التغذية وتوفير كميات الحليب المطلوبة. لأجل هذا يبقى الفلاح مرتهنا إلى أنواع هذه الأعلاف المركبة والمستوردة ، والى ضرورة مد الأبقار بها يوميا لتكون مردوديتها من الحليب مرتفعة. فكيف يتحصل الفلاح على أنواع هذه الأعلاف؟ وماذا عن تركيبتها وأسعارها؟ وهل بالإمكان إنتاج هذه الأعلاف عبر الزراعات الفلاحية التونسية؟ ولماذا لم تتم بعد تجارب في هذا المجال، أو على الأقل في أنواع منها لتخفيف الضغط على الدولة والفلاح في آن واحد، وفي الأخير على كلفة الحليب؟ الكلفة اليومية من العلف المركب لبقرة واحدة تشير مصادر فلاحية تختص في تربية الأبقار الحلوب، أن حاجة البقرة اليومية من هذه الأعلاف المركبة تتراوح بين 12 و15 كلغ. وهي قيمة هامة تكلف الفلاح قرابة 3 دينارات دون احتساب حاجيات البقرة الأخرى من الأعلاف التبنية أو ما يتعارف عليه بالقرط والماء. وهذه التكلفة اليومية ضرورية وأساسية على اعتبار أن أنواع الأعشاب الأخرى لا يمكنها أن تعوض العلف المركب حتى خلال فصل الربيع وتوفر الأعشاب بالمراعي. وهكذا فإن الفلاح مجبر على توفير هذه الكميات من الأعلاف المركبة ودفع معاليمها للحفاظ على مستوى الإنتاج من الحليب خلال كل الفصول ، وعبر كل المراحل التي تمر بها البقرة. مكونات الأعلاف المركبة وأساليب توفيرها للمربي تتكون الاعلاف المركبة الموجهة للأبقار الحلوب من جملة مواد لعل أبرزها الأملاح المعدنية، "المستورة أو "القطانية"، الشعير، الفصة, والفول. وجملة هذه المكونات تجلب بنسبة 90 في المائة منها من الخارج سواء من طرف الدولة أو يتولى توريدها خواص. وتشير مصادر عليمة من اتحاد الفلاحين أن آلاف الأطنان من هذه المواد تستورد سنويا، وعلى مدار المواسم. فكيف يتحصل عليها مربي الابقار؟ إن هذا المجال يديره وسطاء في جلب هذه المواد، وعبر هؤلاء يدخل أصحاب المطاحن الخاصة بطحن الأعلاف على الخط ليتولوا خلط وتحويل العلف المركب، وهي سلسلة من المتدخلين التي زادت في رفع أسعار هذه الأعلاف، علاوة على اسعارها العالمية التي تضاعفت خلال الفترة الأخيرة بما يفوق ضعفي أسعرها خلال السنة الماضية. ولعل جملة هذه التكاليف تتكبدها الدولة عبر التعويض والفلاح الذي لا مفر له في التزود بها. الأعلاف المركبة وإنتاجها في تونس وعلى قاعدة تناولنا لموضوع الأعلاف المركبة، وكلفتها وحاجة مربي الأبقار اليومية إليها، وكذلك الكميات المطلوبة منها، ونزيف العملة الصعبة من أجل توريدها، يطرح سؤال أساسي يتمثل في الآتي: لماذا لم يتوصل الإنتاج الفلاحي التونسي إلي توفير وإنتاج المواد المكونة للعلف المركب، خاصة وأنه في نسبة هامة منه يتركب من أنواع من الزراعات الفلاحية القابلة للإنتاج في تونس؟ ولعلنا لو استثنينا الأملاح المعدنية على اعتبار أنها قد لا توفرها الصناعة التونسية، أو لا تقدر على توفير الكميات الكافية منها، فإن "المستورة" أو القطانية كما يتعارف على تسميتها في تونس، والشعير، والفصة، والفول تبقى في متناول الفلاحة التونسية، ومن بين أنواع الإنتاج الذي توفره فلاحة البلاد، ويمكن عبرها توفير جانب هام من مكونات العلف المركب، وبالتالي الضغط على تكاليف هذه المادة في جانب كبير. وفوق كل هذا، وعملا على دعم وحماية قطيع الأبقار في تونس، وكذلك المربين المختصين في هذا المجال، وكذلك للضغط على تكاليف الحليب عند الإنتاج والجمع والتحويل، يمكن أيضا دفع البحث العلمي وتعميقه باتجاه إيجاد تركيبة جديدة لعلف مركب، يكون تونسيا بحتا، ويتركب من مواد إنتاجية فلاحية أخرى ذات قيمة هامة. وفي نظرنا فإن الفيتورة المستخرجة من تحويل الزيتون، وبعض أنواع النباتات التونسية مثل ورق الزيتون، وايضا قشرة اللوز الأخضر وشجرة الطرفاء ولاكاسيا وغيرها من النباتات وفضلات بعض المواد التونسية المحولة كقشرتي الطماطم والبرتقال التي فضلا في تحويلها يمكنها أن تكون محل بحث ودراسة لاعتمادها في استنباط تركيبة تونسية لعلف مركب، كما انه وفوق كل هذا فإنه يمكن وضع قطاعات زراعية كبرى لإنتاج المستورة والشعير والفصة والفول باعتماد كميات المياه المستعملة التي تتوفر في كل الجهات عبر وحدات تطهير المياه ورسكلتها، والتي يمكن استغلالها في هذا المجال