تباينت الآراء والتحاليل حول مدى ثقل المجموعة الصامتة التي أشار إليها السيد محمد الغنوشي رئيس الحكومة الأسبق أثناء إعلان استقالته أمس الأول ملمحا إلى قوة دورها رغم غيابها عن مستجدات الحراك السياسي وتطورات الأحداث بعد ثورة الشعب. وانقسمت المواقف بين مؤيد لتواجدها كمعطى مطلق مع رسم لملامحها وشرح لدورها الفاعل في حال تحركها وخروجها عن صمتها وبين داحض لأهمية ثقلها وتأثيرها وتساءل في هذاالسياق الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد- الذي أعرب عن راسخ اعتقاده بغياب كل ثقل بارز للمجموعة الصامتة - تساءل ألم يكن من الأجدى المبادرة بمحاورة المجموعة الناطقة التي اجتمعت بالآلاف بالقصبة وبعديد الجهات وعدم تجاهل مطالبها سيما وأنها تمثل أغلب هياكل وفئات المجتمع مستغربا في الآن نفسه صمت الغنوشي عن التواصل والتحاور معها مضيفا أنّ من دفع رئيس الحكومة المؤقتة للاستقالة ليست الأغلبية الصامتة بل الهياكل الناطقة الرافضة للخط السياسي والمستاءة من الخيارات السياسية للحكومة ولا مشكلة لها مع الأشخاص بما في ذلك الغنوشي الذي قال المتحدث "انه يكن له كشخص كل الاحترام". واعتبر"محاولة استمالة المجموعة الصامتة ورقة ضغط لا غير وأنّ الخلاف مع الحكومة المؤقتة سياسي وليس مجرد اختلاف في وجهات النظر"... وخلص ذات المصدر إلى أن موقف المجموعة المغيبة عن المشهد العام يختزل الكثير من الألم والإحباط من الحكومة. وحول شرحه لماهية المجموعة الصامتة من مفهوم اجتماعي قال بلحاج محمد إنها تمثل فئة تخاف الفوضى وهي مجموعة غير متسيسة في ما تخشى أطراف اخرى منها التيارات الراديكالية كما أنّ منها أطرافا تخشى المحاسبة على خلفية تعاملها مع النظام السابق وفي كل الأحوال لا تمثل هذه المجموعات أغلبية. من وجه نظر رجل القانون يقر المحامي الأستاذ مهدي بن شعبان بن حمودة بوجود الأغلبية الصامتة وتنقسم في رأيه إلى فئتين الأولى تنتمي إلى بقايا مرتبطة بالنظام السابق تخشى أن يقرأ ظهورهم للعلن أو تحركهم راهنا كأنه عودة للنظام السابق. والثانية تمثل مجموعة صامتة يكبلها حاجز الخوف تفتقد الثقة في أي طرف سابق أو حالي في المشهد السياسي. ولم ينف المتحدث وجود طرف ثالث يتوسط الفئتين الرئيسيتين وصفه بالطرف الانتهازي الواقف على الربوة يتحين الفرصة المناسبة للظهور وهؤلاء كثر في تقديره. وحول ماهية الدور الذي يمكن للمجموعات الصامتة أن تلعبه في خضم الأحداث التي تمر بها البلاد يرى الأستاذ بن حمودة أنها قادرة على الاضطلاع بدور تعديلي في هذا الظرف وتضع الموازين في الوسط خاصة إذا ما استوعبت جيدا مفهوم الثورة وأدركت أبعادها السامية. ملاحظا أنّ تواجد هذه المجموعات في كل الأماكن وقربها من المواطن عامل أساسي يخول لها المساهمة الفاعلة في كبح جماح الفئات التي تسعى لتصعيد الأزمات وافتعالها أو تلك التي تعمل على إجهاض الثورة. ويعتبر المتحدث أن المجموعة الصامتة تمثل سلوك التونسي المتسم بالاعتدال لهذا تراها تخشى مواقف بعض الأطراف السياسية الراديكالية وتجنح للاعتدال داعيا إياها إلى الاضطلاع بدورها والتعبير عن أفكارها ومواقفها بكل وضوح. من جانبه ركّز الأستاذ مراد بن سلامة جامعي حديثه على فئة المثقفين عند تناوله لموضوع المجموعات الصامتة معتبرا صمتها إرثا تعود تراكماته إلى عقود مضت ظلت خلالها شريحة الجامعيين والمثقفين مغيبية ومهمشة بعد إقصائها سياسيا, ما أفقدها القدرة على ردة الفعل السريعة والفاعلة في الانخراط في الحراك السياسي القائم حاليا خلافا لبعض الهياكل المهنية الممثلة للنخب المثقفة من محامين وقضاة الذين وجدوا قنوات التعبير والإعلام مفتوحة أمامهم. ولئن خيّر بن سلامة التمييز بين الصمت والموقف السلبي الذي يكتفه شيء من اللامبالاة الناجمة عن عملية الإقصاء والفراغ السابقة فقد أكد أن مساهمة النخب الجامعية أكثر من ملحة في خضم الحراك القائم راهنا وعليه فإن حضورها في المشهد العام في مختلف الفضاءات والمنابر الاتصالية والإعلامية متأكد حتى يساهم الجامعيون كل في اختصاصه في ابداء الرأي والمواقف وكشف الحقائق وتقديم التصورات الكفيلة بمواجهة الرهانات المطروحة في مختلف المجالات وليلعب المثقف دوره في نشر وترسيخ الثقافة السياسية والاقتصادية وتداعيات الأوضاع المستجدة..