مع تغير الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، ستهب رياح الثورة على عديد القطاعات ومنها قطاع الرياضة، وتحديدا كرة القدم التي لا بد أن تتخلص من مخلفات عهد الفوضى والارتجال والمحاباة والرشوة والقوانين البالية والقرارات المُسقطة. ويعتبر ملف حقوق البث التلفزيوني لمباريات البطولة والكأس والمنتخبات من أوكد ما يجب أن يتغير ليواكب الواقع الجديد وليلبي طموحات الأندية والجامعات في توفير موارد مالية قارة وجدية ولن يستوي حال هذا الملف الحيوي إلا بمراجعة سريعة وجدية ومعمقة لكراس شروط حقوق البث. فهذه الكراس، الحديثة العهد، لم تنفع صاحبتها (الجامعة) ولا كرة القدم التونسية بشيء لكنها أضرت كثيرا بمصالح القنوات التلفزيونية وبحقوق الأندية التونسية. وتعتبر آخر صيغة جاءت فيها كراس الشروط فضيحة بأتم معنى الكلمة حيث فعل فيها «مقص الرقابة» فعله لتكون على مقاس القناتين العموميتين (7 و21 سابقا) وتحرم القناتان الخاصتان (حنبعل ونسمة) من حقهما في اقتناء الحقوق والمشاهد التونسي من حقه في إعلام تعددي والأندية التونسية من مرابيح أكبر بكثير مما وفرته المؤسسة الحكومية. كما قُطعت الطريق، عمدا ودون وجه حق ودون تبريرات موضوعية، على القنوات الأجنبية الراغبة في شراء حقوق البطولة التونسية ومباريات المنتخب بما يعنيه ذلك من دعم إعلامي وجماهيري بالغ الأهمية لتونس ولرياضتها.
نحو تصحيح المسار
أثر توقف المنافسات الرسمية كثيرا على مداخيل كل الأندية التونسية وأجمعت كل الأطراف على أن عودة البطولة إلى النشاط هو الوحيد الكفيل بوضع حد للنزيف. لذلك لا بد أن تندرج مراجعة للقوانين المنظمة لحقوق البث التلفزيوني في إطار ضمان أكبر ما يمكن من مداخيل لصالح الأندية والقنوات التلفزيونية على حد السواء وينتظر الجميع أن تتم أية مراجعة في إطار الشفافية والموضوعية وبعيدا عن المحاباة والكيل بأكثر من مكيال واحد. ولا مناص، في هذا الإطار، من فتح الباب أمام المحطات التلفزيونية الأجنبية (العربية تحديدا) لاقتناء الحقوق فهذه القنوات قادرة، بميزانياتها الأسطورية، على ضخ أموال طائلة وهو ما سيوفر حلولا كثيرة للأزمة المالية المزمنة في كرة القدم التونسية. أما تخويفنا بهذه القنوات الأجنبية فلم يعد له مجال وبالإمكان حماية المؤسسات الوطنية، العمومية والخاصة، من المنافسة غير المتوازنة مع القنوات العربية بنصوص وتشريعات تضبط للغرض. والحديث يجرنا إلى الرفض التي لقيته سابقا كل من شبكة راديو وتلفزيون العرب (ART) قبل إغلاقها والجزيرة الرياضية اللتين قدمتا أكثر من مرة عروضا خيالية لاقتناء حقوق البطولة التونسية لكن المكاتب الجامعية المختلفة رفضت حتى مجرد النظر فيها للأسباب المعروفة. ولا يستبعد، ونحن نعيش تغيرات عميقة على أكثر من صعيد، أن تجدد الجزيرة الرياضية رغبتها في التفاوض مع جامعة كرة القدم في هذا الشأن وبزوال الموانع السياسية والأمنية التي كانت تتذرع بهما السلطة، لا نعتقد أن أي عاقل سيرفض مليارات الجزيرة الرياضية خصوصا بعد التطور الكبير للعلاقة بين الدولة التونسية وشبكة الجزيرة.