تسبّب اقتناء قناة نسمة لحقوق بث مباريات وكواليس النادي الإفريقي ضمن الأدوار التمهيدية لكأس رابطة أبطال إفريقيا في اندلاع أزمة بين هذه القناة وبقية القنوات في تونس والحديث هنا عن تونس7 وتونس21 وحنبعل بعد أن احتكرت قناة نسمة هذه الحقوق وأوصدت الباب أمام بقية الكاميرات ومنعتها حتى من حقها الإخباري في بث لا يتعدى الثلاث دقائق لتفتح بذلك باب منافسة شرسة يكون البقاء فيها للأقوى ماديا ولأصحاب النفوذ ورؤوس الأموال. يبقى المشاهد التونسي المسكين المتضرّر الأكبر فبعد أن اكتوى كثيرا بنار التشفير من قبل القنوات الأجنبية من شبكة «إي آرتي» إلى الجزيرة الرياضية ها هو يحرم حتى من مشاهدة المباريات على القناة الوطنية تونس7 التي تكون عادة في متناول الجميع. بين الحق والواجب قد يكون من حق نسمة أن تحتكر البث بما أنها دفعت المال لإدارة الإفريقي عندما تعاقدت معها ولكن هذا لا يجب أن ينفي حق قناة تونس7 في الإخبار بما أنّها القناة الوطنية الأولى ثم ما ذنب المواطن العادي في هذه الحالة وهو الذي يلتزم بدفع مبلغ مادي معيّن مع كل فاتورة استهلاك كهربائي بعيدا عن انتفاعه من عدمه من متابعة مباريات وأخبار فريقه. تعقيدات المشكلة تتأتى من تشعبها ومن تداخل أطراف عديدة فيها فقناة تونس7 هي التي تضمن التقاط شارة البث على القمر الصناعي بفضل تقنياتها المتاحة وضمن اتفاقيتها مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الإطار المنظم للمسابقة لتساهم بذلك في توفير مبلغ مالي محدد للأندية المشاركة... المشكلة إذا متشعبة وأعمق من ذلك لأنها مرتبطة بتحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة جعلت من كرة القدم «سلعة» تباع وتشترى لتشتعل حمى التشفير ويشعر مشجعو اللعبة الشعبية الأولى في تونس بأن التشفير منعهم من متعة مشاهدة مباريات فرقهم وأثار ذلك مفارقة بين الحق والقدرة أي الحق في الإعلام والإخبار والقدرة على مشاهدة هذه القنوات الفضائية الخاصة. والثابت هنا أن الأمر ليس متاحا للجميع لتصبح مشاهدة هذه البرامج ميزة اجتماعية وهذا وجه آخر من أوجه هذه الأزمة التي تعود في أصلها كذلك إلى عجز القنوات الحكومية على تجاوز مشاكلها المادية أمام انفجار السوق الإعلامية ودخول الخواص بقوة فعملية خصخصة القطاع الإعلامي وخاصة منه الرياضي أضرت به كثيرا بما أن المشهد أصبح حكرا على الأقوى ماديا وهنا يمكن أن نستدل بمثال رجل الأعمال الاسترالي (اليهودي الأصل) روبيرت ماردوخ الذي يمتلك المجموعة الإعلامية الأكبر في العالم (News corporation) بفضل ثرائه... هذا هو إذا الإطار العام للمشكل الذي ينسحب في أوجه من أوجهه عما يجري حاليا في تونس... «الشروق» فتحت الملف في هذا التحقيق للبحث في تفاصيل المشكلة من المتضرر الأكبر من هذا التهافت الإعلامي؟ وأيهما على حق، قناة نسمة أم تونس7؟ وماذا يقول القانون في كل هذا؟ إعداد: علي الخميلي ومحمد الهمامي وسامي حماني قيس رقاز (رئيس مصلحة الرياضة بقناة نسمة TV): لماذا يستكثرون علينا المبادر؟ «لا أظن أن الاندية التونسية باتت في حاجة ماسة الى موارد مالية مهمة وقد عمدت القنوات الفضائية الى الظفر بحقوق البث بما أنها ستوفر موارد مالية قارة لهذه الاندية فقناة «نسمة TV» مثلا أصبحت شريكا فاعلا لفريق النادي الافريقي لذلك من حقها احتكار أخبار النادي وكل الومضات الاشهارية الخاصة به فهي تصبح بمثابة الناطق الرسمي باسمه... وإنني أستغرب من بعض القنوات المنافسة فهي لم تتحدث عن بث مباريات الفريق إلا بصفة متأخرة فقناتنا قامت بمجهودات جبارة تطلبت الكثير من الوقت قبل التوصل الى اتفاق نهائي مع النادي الافريقي الذي اتصلنا به منذ حوالي عشرة أشهر وأظن أنه من حقنا الاحتفاظ حتى بالكواليس الخاصة بالمباريات وأريد أن يعلم الرأي العام أن الملخص الذي تحصلت عليه بقية القنوات الاخرى بمناسبة مقابلة الافريقي وليون الفرنسي كان هدية خاصة من قناتنا للمشاهد التونسي فحسب علما وأن هذه القنوات على علم باقتناء نسمة TV لحقوق البث وأقدمنا على تنظيم ندوة صحفية باتت على إثرها كل الاطراف الاعلامية على علم بالموضوع فهنالك برمجة مسبقة ومنظمة وهذه المنافسة لن تزيدنا سوى المزيد من الاصرار على تحقيق النجاح وهو ما سيعود بالنفع على المشاهد عموما خاصة وأننا نخصص ميزانيات مهمة لهذا الغرض مع العلم أننا طلبنا في أكثر من مناسبة من بقية الاطراف الاعلامية أن نجلس على طاولة واحدة لنتوصل الى حلول ترضي الجميع». رازي القنزوعي (قناة تونس 7): غير معقول... رازي القنزوعي قالها صراحة في حصة «الأحد الرياضي» الأخيرة وأكد أنه لم يكن ينتظر هذا الموقف بالمرة من هيئة النادي الافريقي خاصة أن مؤسسة التلفزة التونسية ظلت على مر السنين الى جانب الافريقي وغيره من الأندية وفي مختلف المراحل والمسابقات مضيفا بأنه لم يتم اعلام قناة (7) بالعرض المقدم قبل أن تتم مباغتتها بالرفض من التصوير حتى للمدة المعمول بها قانونيا وهي ثلاث دقائق الى جانب التصريحات واللقطات الأخرى.... وأشار رازي الى أن المسألة خطيرة وتهدد حتى حقوق المواطن من الاعلام المرئي خاصة أن هذا المواطن نفسه هو الذي يساهم بصفة مباشرة وغير مباشرة في دعم مختلف المؤسسات الاعلامية والاندية الرياضية وبالتالي فإن الضرورة تستوجب احترامه وتفرض أيضا احترام القوانين المعمول بها على مستوى حقوق البث التلفزي التي تخضع الى العرض والطلب والى احترام حقوق القنوات الأخرى... وبالتالي فإنه من غير المعقول وعلى كل الواجهات والمستويات أن يحصل ما حصل خاصة أن الافريقي وإن كان له «الحق» في اختياراته فإنه أيضا من المفروض احترام واجباته تجاه القنوات الأخرى...» الجميع يتناسى هذا «الحق»...: عادل بوهلال (قناة حنبعل) «إذا كان للنادي الافريقي أو غيره من الاندية الحق والحرية في التصرف لبيع مبارياته لمن يشاء فإن قانون الجمعيات يفرض عليه أيضا مقابل ذلك احترام الاطراف الاخرى كما أن عمليات البيع والشراء على مستوى الجمعيات والمؤسسات تخضع الى أصول وضوابط محددة لعل أهمها العرض والطلب وهو ما لم يتم فضلا عن حق المواطن في الاعلام ولو على مستوى التعليق والتصريحات واللقطات والهوامش... وهو أيضا حق لم يتم احترامه... ومن جهة أخرى فإنه وبمثل هذه العملية السابقة تم فتح باب التأويل والتجاوز أيضا ليصبح كل ناد له الحق في التفاوض مع احدى القنوات وعندها تصبح المسألة مرشحة لتمهيد سبل الفوضى والحال أن القانون يبقى فوق الجميع وللمؤسسات حرمتها... وبالتالي فإن ما قام به النادي الافريقي يعتبر إقصاء غير مفيد للمواطنين المتفرجين ولأحبائه وللاعلام... وبالمناسبة أود لو أعرف كم حصدت هيئة الافريقي من هذه العملية وهو حق ظل يطالب به أنصار الافريقي أنفسهم حتى لا يبقى الامر غامضا. الأستاذ شكري بن عيسى (متصرف في القانون الرياضي): الحق في الوصول الى المعلومة مضمون لكن بشرط... يبقى الجانب القانوني الركن الأهم على الإطلاق في مسألة حقوق البث التفزي ومن هذا المنطلق ارتأت «الشروق» عرض الموضوع على الأستاذ شكري بن عيسى المتصرف في القانون الرياضي فكان رأيه كالتالي: «من حيث المبدأ المطلق فإن المؤسسة المنظمة للتظاهرة الرياضية هي من يملك الحق المطلق والحصري لاستغلال والتفويت في محتويات العروض الكروية ونقصد هنا «الكاف» اذا تعلق الأمر مثلا بالمباراة لتي بثتها احدى القنوات التلفزية الخاصة والمتعلقة بالنادي الافريقي مثلا، كما يمكن منح تفويض للجامعات المحلية في بعض الحالات لتحل محلها في هذا الشأن وتقتص في المقابل مبالغ مالية محددة، وبالنسبة لما حدث بين النادي الافريقي واحدى القنوات الخاصة فيمكن القول ان هذه القناة أصبحت بمثابة الناطق الرسمي للفريق وهي تتمتع بجميع الحقوق وحتى باحتكار الكواليس وعليها أن لا تفوض لبقية القنوات سوى ما يسمى بحق المعلومة ولكنه أيضا يخضع الى عدة شروط اذا تعلق الأمر ببث مقتطفات لا تتجاوز 30 ثانية تقتصر على الصبغة الاعلامية البحتة (شريط الأنباء مثلا) على عكس البرامج الرياضية التي تستحوذ على نسبة مشاهدة مرتفعة وتتضمن العديد من الومضات الاشهارية... ولكن لابد من الاشارة الى أن الفريق عليه أن يحترم قواعد المنافسة وحق التساوي في الحصول على حقوق البث التلفزي اذ أن الفريق مطالب بتوفير عنصر الشفافية التامة في مسألة ارسال طلب العروض». بادين التلمساني (نائب رئيس الترجي): استفادة مالية حقيقية لفريقنا... «الى حدود اللحظة لم نتوصل الى اتفاق رسمي مع قناة «حنبعل» للتمتع بحقوق بث مباريات فريقنا بصفة حصرية وكان السيد حمدي المدب هو من تحادث الى مسؤولي هذه القناة أما بالنسبة لحقوق القنوات الاخرى فأظن أنه من حقها بث ملخص لا يتجاوز ثلاث دقائق ولا أنكر أن بيع حقوق بث مباريات الفريق ستعود بمنافع مالية كبيرة على فريقنا خاصة إذا ترددت آلاف الجماهير في الذهاب الى الملعب لذلك ستكون عائدات البث التلفزي أفضل معوّض لهذه الخسائر المالية التي لن يقدر فريقنا على تحمّلها». زين العابدين الوسلاتي (الناطق الرسمي للنادي الافريقي): إتفاقيتنا مع «نسمة» قانونية أريد أن أوضح في البداية أن الاتفاقية التي قمنا بإمضائها مع قناة «نسمة» لنقل مباريات النادي الافريقي حصريا خلال الأدوار التمهيدية من كأس رابطة أبطال إفريقيا الى جانب الكواليس، هي اتفاقية قانونية عكس ما روّج له ا لبعض حيث أنه لم يكن من المنطقي القيام بطلب عروض للتوقيع مع القناة التي تتوفر فيها الشروط الأفضل لأن قناة «تونس 7» هي قناة عمومية أرادت التزام الحياد وعدم تبني بث مباريات النادي الافريقي بصفة حصرية كما أن قناة «حنبعل» رفضت الفكرة عندما عرضنا عليها هذا العرض منذ ما يقارب الثلاث سنوات وفي هذا الاطار نسأل من تحدث عن طلب عروض، هل قامت كل الفرق التونسية بفتح مناقصة من خلال طلب عروض عندما بحثت عن مستشهرين لدعمها؟ أو هل فتحت هذه المناقصة لاختيار الشركة التي ستنتج الملابس الخاصة بالفريق؟ من جهة أخرى فإن الاتحاد الافريقي لكرة القدم يخوّل للفرق حرية التصرف في حقوق بث مبارياتها في هذه الأدوار الأولى. ثم إن الغرض الأساسي من هذه العملية هو ضمان مشاهدة كل جماهير الافريقي للقناة الخاصة بالنادي (CATV) التي تبث الآن على الأنترنيت حيث لا يتسنى للجميع مشاهدتها وبتوقيع هذه الاتفاقية ستتولى قناة «نسمة» بث برامج (CATV) مرة كل أسبوع في حصة تتضمن أخبار وكواليس النادي ونضيف أننا في عهد الاحتراف وعلينا البحث عن تمويلات إضافية للفريق لمجابهة المصاريف ومن حقنا توقيع هذه الاتفاقية مع أي قناة تتوفر فيها الشروط اللازمة ومن حق هذه القناة أن تنقل حصريا كواليس وأخبار ومباريات النادي.