يبدو ان الأمن لم يستتب بعد في مصر ولم تحقق الثورة أهدافها كاملة، فالرجات الارتدادية لزلزال السقوط المدوي لمبارك تطفو الى السطح من حين الى آخر خاصة انه لم يغادر البلاد ولا زالت ايدي ازلامه قادرة على تحريك اكثر من فتنة في بلد النيل . الفتنة ولعل الملف القبطي هو الأكثر حساسية على الساحة المصرية ويمكن لأي طرف راغب في العبث بأمن البلاد وتهديد استقرارها ان يحركه متى شاء لتهديد السلم الأهلي والتشويش على مسيرة العملية السياسية بعد الثورة، التي حققت الكثير من الأهداف وينتظرها المزيد. فمن السهل على اي كان في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد استهداف الأقباط ودور عبادتهم لدفع مسيحيي مصر الى رد فعل عنيف تجاه مواطنيهم من المسلمين لإدخال البلاد في دوامة من العنف والعنف المضاد. وتغذية الأحقاد الدينية والطائفية في مسلسل من الفتن لا يمكن ان يعرف حدودا. ولعل الوحدة الوطنية الإسلامية- القبطية التي عرفتها الثورة المصرية وكان ميدان التحرير شاهدا عليها هي وحدة هشة وليست على مستوى كامل من النضج الذي يخولها تجاوز الوقوع في شرك الاقتتال الطائفي استجابة لدسائس المحرضين وهو ما أثبتته الأحداث الاخيرة التي شهدتها الساحة المصرية. ورغم ان من أشعل لهيب الثورة وقضى على نظام الفساد واسقط اعتى الديكتاتوريات المصفحة امنيا كانت أيادي المسيحيين والمسلمين التي تكتلت من اجل لحظة تاريخية تم انجازها ثم سرعان ما عادت الفرقة لتطغى على الساحة المصرية . فالأحقاد الطائفية الدفينة القادمة من عمق التاريخ كانت أقوى من مشهد الوحدة الوطنية الذي عرفه ميدان التحرير. لذلك فأمام المصريين تحديات جسيمة لا بد من تخطيها لإنجاح ثورتهم التي رفعت عدة شعارات من أهمها القضاء على النعرات الطائفية التي تشكل اكبر تهديد لاستقرار مصرلا يقل عن مخاطر استمرار النظام السابق في الحكم . تحريض وبحسب عديد الخبراء والمحللين فإن جهتين لا ثالث لهما يفترض بان إحداهما تقف وراء أعمال العنف التي شهدتها مصر بين المسلمين والأقباط من خلال التحريض وبث سموم الفتنة خدمة لأجنداتها . فالعمل مدبر وليس من باب الصدفة ان يحصل في هذا التوقيت بالذات والبلاد لا زالت تترنح ولم تجد توازنها بعد . الجهة الاولى خارجية، فلمصر أكثر من عدو لا يريد الخير لشعبها ولا يرغب في انتقاله نحو الديموقراطية . على غرارالكيان الصهيوني الذي يرقب عن كثب من وراء الحدود ما يحدث على تخومه في ارض الكنانة ويدرك جيدا ان اية حكومة مقبلة في القاهرة تستجيب لإرادة شعبها ونبض شارعها الذي أوصلها الى الحكم من خلال اقتراع حر لن ترضخ لإملاءات هذا الكيان كما كان يحصل مع نظام مبارك، لذلك فليست من مصلحة اسرائيل ان تشهد مصر حكما ديموقراطيا بأي حال من الأحوال وستسعى تل ابيب للتشويش قدر الإمكان على العملية السياسية لإفشالها والعودة بالبلاد الى عهود الديكتاتورية . كما ان أطرافا عربية عديدة لا يصب في صالحها ان تنجح الثورة المصرية وتحقق اهدافها لكي لا تنسج شعوب هذه الدول على المنوالين التونسي والمصري. اما الطرف الثاني الذي من المفترض وقوفه وراء الأعمال الطائفية فهو داخلي ويرجح انتماؤه الى ما يسمى بقوى الجذب الى الوراء من المستفيدين من النظام السابق الذين خسروا مواقعهم الأمامية على رأس النظام ويخشون من المحاكمات والتتبعات العدلية ولديهم القدرات المالية والبشرية ما يجعلهم قادرين على إحداث الفتن متى شاؤوا. لذلك وجب وضع هؤلاء من الساسة ورجال الأعمال والمسؤولين الحزبيين الجهويين والمحليين تحت الاقامة الجبرية ومنعهم من كافة وسائل الاتصال مع الخارج تمهيدا لمحاكمتهم بالاضافة الى اعادة ادماج من ثبتت نظافة كفه خلال العهد السابق في العملية السياسية وعدم اقصائه. وتمكينه من الاندماج في أحزاب جديدة وممارسة نشاطه السياسي ، فالإقصاء سيجعل هؤلاء خطرا على الثورة وعلى العملية السياسية الديموقراطية التي هي بصدد البناء . والاعتبار من التجربة العراقية التي تحول فيها حزب البعث المجتث الى مهدد للعملية السياسية المشوهة بسبب اقصائها لأطراف لها حضورها على الساحة العراقية.