بقلم: المنجي الكعبي التمديد لرئيس الجمهورية المؤقت بخمسة أشهر تقريباً، من تاريخ انتهاء مدته في الرئاسة الوقتية منتصف هذا الشهر إلى قيام المجلس الوطني التأسيسي في أوسو القادم إن شاء الله، هو تمديد مفاجئ لا محالة، ولكنه مثّل موعداً أخفقنا جميعاً في الوفاء به لثورة البوعزيزي، لأن المؤمل كان انتخابات رئاسية في مدة أقصاها ستين يوماً، لا حولين كاملين كما قد نضطر إلى ذلك، إذا تواصلت أشغال المجلس التأسيسي المقرر إلى ما بعد إصدار دستور جديد، يفضي إلى رئيس جمهورية غير مؤقت. ولكن ما الحل، ونحن نحتطب من الدستور الذي خلفه الرئيس بن علي على مقاسه، ليُحترم فيبقى في رئاسته بالتمديد الانتخابي الذي اخترعه والمناشدات كل خمس سنوات، أو يُلقى بالأمة في أزمة عدم التداول على السلطة والفوضى التي نعانيها من فراغه. وقد قلت في حديث سابق إن أزماتنا بالسياسة والاقتصاد وغير ذلك كان يمكن حلّها بالتعارض السلمي بين البرلمان والحكومة والرئاسة، لو بقي فصل التنازع على البقاء في مواده - أي في مواد الدستور - ليُحكّم أو ليفْصل في كل أزمة دستورية، ولا يُضطر الشعب لدفع الثمن في الأرواح والمكاسب. وأقصى ما كان أمامه أن يتم اللجوء في الآخر إلى الاستفتاء، وهو حل سليم للفصل في المنازعات على رأس الدولة. ولكن ذلك الفصل من فصول الدستور عدّله الرئيس، لكي لا يكون لنا مخرج من رئاسته عن طريق لائحتي لوم متتاليتين لحكومته، واضطراره للرجوع إلى تحكيم الشعب في الأمر عن طريق الاستفتاء على رئاسته نفسها. وما كان كان على كل حال، بهذا الأخذ بالدستور وبالمؤسسات على علاّتها من بداية الثورة إلي الآن. لكن المهم أن لا تصبح لنا عادةٌ بإخلاف المواعيد، والْتماس المعاذير في كل مرة نصطدم فيها بالقبول بالأمر الواقع أو رفع لواء الفوضى وعدم الاستقرار وبالوضع المهدد لسلامة البلاد وأمنها والدخول في منطق الأخذ بالحل السيء تفادياً للحل الأسوإ. لقد كان يعجزني في كل مرة ادعاء بعضهم، من رؤوس السياسة، أننا نعاني من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولا كلمة يَفتح بها فمه عن التخلف السياسي أو التخلف الدستوري. ولأْضرب لذلك مثلا قريباً جداً منا. كتبت مرة في هذه الجريدة، على إثر نشر النظام الداخلي لمجلس المستشارين، الذي كان الرئيس بن علي يسوّقه من أجل تأبيد نظامه؛ وقد هالني صياغةُ نظام داخلي لهذا المجلس قبل قيامه، أي تولّي هيئة من خارجه لتنظيم أعماله في أدقها وأعمها. ومما رأيته من مخالفات فيه، أي من عدم تلاؤم وغفلة، أن رئاسة هذا المجلس قد تؤول إلى أحد أعضائه يوماً، وتدفع بصاحبه الأقدار إلى أن يتولى رئاسة الجمهورية بصفة وقتية، في صورة شغور أو حل مجلس النواب، وهو لا يلبي في شخصه شروط رئيس الجمهورية، وأحدها الاسلام. فقال لي المتحدث، ولم يكن بالقليل في مسؤوليته على رأس المجلس الدستوري : لا مشكل يا دكتور، عندها نغيره بآخر ! وهكذا بسرعة نجد الحلول، وكأننا لا ندري أن الحلول يجب أن تنضج كما ينضج الثمر على رؤوس الأشجار، ليكون أكله طبيعياً. المهم في حالتنا الراهنة أن المدة الدستورية التي اخترعناها اختراعاً من الدستور البائد الذي تركه الرئيس بن علي، لمعالجة هذا التاريخ في روزنامة أحداثنا بعد الثورة، جاءت طويلة، بحيث - لا قدر الله - قد يحدث أثناءها شغور، فلا ندري من أي دستور نسدّه. هل نرجع إلى تسمية الأشياء بألفاظها من جديد، ونعتبر الصفة الوقتية للرئيس المؤقت انتفت عنه بانتفاء المدة الدستورية المقررة في الفصل 57 سي ء الاستغلال، وعندها نعود القهقرى، لننظر في ملامح الوضع المؤسسي المتحنّط لمجلس النواب والمستشارين؟ وإنما قلت متحنّط لأن أية صفة تنطبق عليهما بالحل أو العطلة أو الدوام، ليست بالقائمة فعلاً. فبعد الجلسة الهوجاء في أحدهما والخامدة في الآخر، رُفع الستار عن كثير من الخلط في الكواليس وفي الإعلام، حتى صار الشعار الساري : دع الأمر على غموضه، فالغموض في السياسة سيد الأوضاع. وكم أنّبني صديق، لما رآني كتبت على قانون مجلس المستشارين قبل قيامه، فقد قال لي: يا أخي، كعادتك بدأت تنقد المجلس قبل قيامه، وأنت من كان يتحدث الناس باسمك بين أسمائه! فقلت له: شكراً للناس على حسن ظنهم، ولكن متى كان الناس يخشون ربهم، أو متى كان الحاكم عندنا يخشى رأي الناس في السياسة، ما دامت الوزارة بالتلصص، والنيابة بالولاء والمناصب بالمفاسد والرشوة، وما دام الستر نازلاً على الجميع دون محاسبة أو مساءلة، من دولة إلى دولة. إنه مهما يكن من حسن الظن، بعضنا ببعض، فلا تقوى في السياسة حتى تعاد كرامة المواطن وحريته في السياسية، ويخشى الحاكم من صوته جهاراً في المنابر أو سراراً في صندوق نظيف.