تبدوالحركة بين المدن الفرنسية وداخل باريس شبه مشلولة بسبب الاضرابات التي تشنها النقابات الفرنسية في قطاع النقل العمومي احتجاجا على مشروع الرئيس الفرنسي الخاص بنظام التامينات الاجتماعية والتقاعد. وقد دخل الاضراب يومه العاشر رغم ما تردد في اوساط عديدة عن تراجع انصاره داخل النقابات فيما لوحت قيادة كبرى النقابات بمواصلة تحركها شهرا كاملا وحملت ساركوزي مسؤولية الخسائر التي تلحق بالبلاد واقتصادها بسبب الاضراب.. في المقابل اعلن ساركوزي ان حكومته لن تتراجع وفسر موقفه بكون برنامجه الانتخابي تضمن اعلانا واضحا بانهاء عجز الصناديق الاجتماعية عبر تعديل نظام التقاعد ومراجعة بعض انظمة التامينات الاجتماعية. ويبدو واضحا أن التحركات النقابية في فرنسا عادت لتوظف سياسيا. وتسعى النقابات ان تدفع الرئيس ساركوزي الى تقديم تنازلات "موجعة" لفائدتها وهي التي سبق ان مارست ضغوطات قوية على الرئيس شيراك اضطر بسببها الى تقديم تنازلات عديدة.. منها التضحية برئيسي حكومتين من ابرز المقربين منه هما الان جوبيه وودومينيك دو فيليبان.. كما تسببت الاضرابات وضغوطات النقابات واليسار على شيراك في مناسبات اخرى في اقالته رئيس الحكومة رافاران وعدد من الوزراء.. لكن ساركوزي الذي بدأ عهده بممارسات حاول فيها البروز في موقع رجل "الوفاق" وسجل نقاطا كثيرة ضد خصومه اليساريين يبدو مصمما على أن يلعب دور "الرجل الحديدي ".. وأن يعيد تجربة رئيسة الوزراء البريطانية سابقا مارغريت تاتشر في بلاده. وكانت تاتشر رفضت الرضوخ لمطالب نقابات المناجم المضربين عن الطعام حتى موت عدد منهم رغم ضغوطات الاعلام والسياسيين عليها. وانتهت التحركات بان رضخت النقابات وتحسنت المؤشرات الاقتصادية في بريطانيا في اخر عهد تاتشر وفاقت مؤشرات اقتصاديات جل الدول الاوروبية.. ولا شك أن النقابات الفرنسية كانت لا تزال أقوى من النقابات البريطانية خاصة في قطاعات الخدمات التي تؤثر كثيرا في سيرالانتاج والحياة العامة مثل النقل العمومي.. لكن تصميم الرئيس الفرنسي الشاب على المواجهة قد يوفر لفرنسا فرصة انقاذ الصناديق الاجتماعية من الافلاس وترشيد تحرك نقاباتها.. حتى تتوقف عن تقديم فرنسا في صورة البلد "الهش" حيث تتعثر حركة القطارات والحافلات والطائرات بصورة شبه منتظمة.. وهي صورة لا تخدم موقع فرنسا الاقتصادي الدولي بعد التقدم الذي حققته اقتصاديات المانيا واليابان والصين وبريطانيا وايطاليا وبعض الدول الاوروبية الصاعدة مثل اسبانيا والبلدان الاسكندنافية.. في كل الحالات فان المواجهة الحالية بين ساركوزي والنقابات ستكون لها ابعاد سياسية تتجاوز الملفات الفرنسية الداخلية لتهم جيرانها الاوروبيين وشمال افريقيا.. خاصة اذا تسببت تحركات الاحتجاج المتعاقبة في تفكك "الائتلاف" الذي شكل به ساركوزي حكومته الاولى وديوان مستشاريه..