قالت الأستاذة وفاء زعفران الأندلسي الباحثة في القانون العام بكلية العلوم القانونية والسياسية بتونس والمستشار بمجلس النواب إن انفجار المطالب الاجتماعية بعد الثورة يؤكد أهمية دور الدولة الاجتماعي في مخيال المواطن التونسي.. كما أنه دليل على انحدار الوضع الاجتماعي للمواطنين بسبب فشل السياسة الاجتماعية والاقتصادية لنظام بن علي. وكانت الثورة قد أزاحت النقاب عن وضع اجتماعي تعيس وفقر مدقع وبؤس شديد يعيشه السواد الأعظم من التونسيين في مختلف جهات البلاد خاصة في الولايات المحرومة تنمويا.. وكشفت أن حديث الساسة في العهد البائد عن توجهاتهم التنموية التي تراعي البعدين الاجتماعي والاقتصادي كان مجرد كذب ومغالطة وافتراء. وبينت الجامعية في حديث ل"الصباح" أن معالجة المسألة الاجتماعية ليست رهينة بعض التدابير التي تتخذها حكومة مؤقتة بل هي أكبر من ذلك وتستوجب وضع أهداف على المدى المتوسط والبعيد. وبالتالي فإنه عندما يترتب البيت التونسي وتتحقق حالة التوازن والاستقرار ويلعب كل واحد دوره الطبيعي في المجتمع.. النقابي يلعب دوره النقابي.. والسياسي يلعب دورة السياسي.. يمكن مراجعة السياسات الاجتماعية التي على الدولة تنفيذها.. وأشارت محدثتنا في لقاء بها بمناسبة مشاركتها في أشغال منتدى الفكر المعاصر بمؤسسة التميمي للبحث العلمي حول تحديات الحكم الرشيد في المغرب العربي إلى أن المتعارف عليه في تونس أن الوظيفة الاجتماعية للدولة مرتبطة أساسا بالتوازن السياسي والاجتماعي في البلاد.. وأنها تمثل ركيزة لمشروعية الدولة وقد كانت الدولة تستمد مشروعيها منذ ولادة دولة الاستقلال وطيلة عهدي الزعيم بورقيبة والمخلوع بن علي من ذلك الدور الاجتماعي.. وبذلك ترسخت لدى التونسي ثقافة التواكل على الدولة وأصبح يعتبر الجانب الاجتماعي واجبا على الدولة تجاهه بقطع النظر عما يمكن أن يحققه هو بنفسه لنفسه.. ويعود ذلك على حد تعبيرها لحالة السبات التي كان عليها المجتمع المدني في تونس إذ كان بالإمكان أن يساعد المجتمع المدني الفرد على الشعور بأنه فاعل وقادر على الإضافة والتعويل على نفسه. استحواذ على الاقتصاد شخصت الباحثة الوضع الاجتماعي في نظام المخلوع بالقول إن هذا النظام استعمل الوظيفة الاجتماعية للدولة لتلميع صورة الحاكم المستبد كما استعمل المجهود الاجتماعي للدولة لمزيد إحكام سيطرته على المجتمع أي أنه لعب دورا رقابيا على المجتمع أكثر منه رعائيا.. أما العامل الثاني الذي ضرب المجهود الاجتماعي للدولة فيتمثل على حد قولها في حالة الفساد المستشرية في المجتمع وأصبح الكل يعرف أن حالة استملاك عصابة عائلة بن علي وأصهاره للمؤسسات الاقتصادية للدولة هي التي كانت وراء رداءة الاقتصاد.. وكانت هذه العصابة تتحكم في الاقتصاد وتحكمه وفقا لمصالحها الشخصية وليس وفقا لمصالح البلاد والعباد. كما أن تونس تعتبر التلميذ النجيب للبنك الدولي ونجحت في تطبيق سياساته خاصة ما يتعلق بالخوصصة والتحرير الاقتصادي والمالي.. ويجعل هذا الأمر من تونس كأنها دولة ليبرالية على المستوى الاقتصادي.. وهنا يكمن الإشكال.. وفسرت الأستاذة زعفران ما ذهبت إليه بالقول :"لأن فكرة الحكم الرشيد، وهي اختراع من اختراعات البنك الدولي للحديث عن الديمقراطية والحريات وأهمية الإطار المؤسساتي في تحقيق التنمية والنمو الاقتصادي، يجعل تونس في مأزق في ما يتعلق بدورها الاجتماعي.. لأن الحكم الرشيد كعنوان لاستقالة الدولة من العمل الاجتماعي تتعارض مع الواجبات الاجتماعية للدولة التونسية بوصفها أساسا لمشروعيتها". وأثبتت الثورة على حد تعبيرها فشل المقاربتين مقاربة الليبرالية الجديدة التي أرادت أن ترسي نموذجا لا علاقة له بالواقع الاجتماعي والاقتصادي وبالخصوصية التاريخية للدولة التونسية من جهة ومن جهة أخرى وفشل التوظيف الذي قام به النظام للدور الاجتماعي للدولة.. كما أثبت شباب الثورة هذه العلاقة الوثيقة بين الاستبداد والفساد وتردي الأوضاع الاجتماعية. وبالتالي فالرهان القادم هو رهان المعادلة بين الوظيفة الاجتماعية للدولة كمطلب أساسي والخيارات الاقتصادية التي يجب أن تكون واقعية تراعي حاجات المجتمع. ويرتبط تحقيق هذا الرهان بضمان الحريات السياسية ومشاركة الجميع دون إقصاء في بناء الديمقراطية.. لأنه لا نجاح لسياسة اجتماعية أو اقتصادية دون مناخ سياسي سليم يقوم على المصالحة بين جميع قوى المجتمع الحية وأيضا على مبدأ الثقة لا فقط بين الحاكم والمحكوم ولكن أيضا بين المواطن ومكونات المجتمع المدني.. ويجب أن يلعب المجتمع المدني دورا هاما في المرحلة القادمة أي مرحلة البناء الاجتماعي والسياسي..