لئن شكل مخيم الشوشة برأس جدير محطة هامة ومعبرا للآلاف من اللاجئين- من مختلف الأجناس والجنسيات- الفارين من جحيم الموت إثر تطور الأحداث الدامية في ليبيا بعد انطلاق الثورة هناك منذ العشرية الأخيرة من شهر فيفري الماضي لتتجه أنظار الرأي العام العالمي وجهود المنظمات الحقوقية والإنسانية والدول إلى الأعمال الإنسانية المتمثلة في الإغاثة والعلاج وتوفير المخيمات والأغطية والأكل... إذ أن ثلة من الناشطين في القطاعات الثقافية حرصوا على أن تكون المادة الثقافية- باختلاف أنواعها- حاضرة في هذا الحدث التاريخي. ليكتمل المشهد الخدماتي الإنساني بنقطة العبور الحدودية التونسية الليبية بانتصاب «الخيمة الثقافية» وما تضمنته من شاشة عملاقة وركح ومضخمات للصوت فضلا عن خيمة أخرى خصصت للعروض والأنشطة الترفيهية الخاصة بالأطفال. ليمتزج ماهو ثقافي بماهو سياسي واجتماعي وإنساني. و- حسب شهادة ثلة من المشاركين في هذه الخيمة من بينهم المخرجة سلمى بكار- فإن هذه البادرة تستمد أهميتها من الدور الذي اضطلعت به تجاه هذه الفئة من المتلقين والمتمثلة في تقديم نوعية أخرى من الخدمات الإنسانية تتركز بالأساس على أنشطة ترفيهية وثقافية لاقت استحسان اللاجئين وكانت متنفسا هاما لهم لا سيما بعد معاناة «الكر والفر» وضغوط انتظار العودة إلى بلدانهم. ولم يكتف اللاجئون بالفرجة والتمتع بلحظات ترفيهية بل انخرطوا بدورهم في العملية والمساهمة في إضفاء الأجواء «المرحة» بالمكان، من خلال مشاركتهم في تقديم عروض مسرحية مستوحاة من الظروف التي يعيشونها، وقد برع في عروض الفن الرابع الصوماليون، وفي الشعر السودانيون. فيما شارك البنغاليون في العروض الغنائية. كما شدت الخيمة الثقافية اهتمام عدد كبير ممن أقاموا في مخيمات الشوشة خلال أيام انتصابها مثلت مناسبة للتلاقي والاطلاع على فنون وثقافات بلدان وحضارات مختلفة، وذلك بعد أن بادر عدد من اللاجئين بعرض أغان مصورة أو أشرطة وثائقية تبرز جانب من خصوصيات بلدانهم- كانت بحوزتهم- وذلك على الشاشة العملاقة المنتصبة وسط الخيمة. وقد اعترفت سلمى بكار أن مشاركة اللاجئين في البادرة الثقافية وأخذهم بزمام المساهمة في تفعيل أهدافها من خلال الأنشطة الترفيهية والعروض التنشيطية قد فاجأ المشاركين في الخيمة. واعتبرت أن ما أتوه بمثابة «درسا» في كيفية التعاطي مع أوضاع جد صعبة ومحفوفة بالمخاطر في ظل المجهول خاصة أنها تزامنت مع صعوبات كبيرة واجهها أبناء تونس من المشاركين في هذه المبادرة رغم مساعدة مجموعة من الشباب المتطوع هناك وفوج الكشافة ببن قردان. وعن هذه الصعوبات أكدت سلمى بكار أنها ستكشف عنها في لقائها مساء اليوم بدار الثقافة ابن خلدون بمعية بعض المشاركين في الخيمة.