بقلم: د. خالد زغريت على الرغم من أننا نختلف على كل شيء إلا أننا سواء كنا أعرابا أو عروبيين، ثوريين، أو محافظين، سلفيين أو ماركسيين، مقاومين أو منهزمين، رعاعا أو نخبويين، إلخ.. إلخ.. نتفق الآن أن ما مضى مضى، وما هو آت آت لاريب، لكنه غير ما مضى، عجرا كان أم بجرا، ونتفق الآن على الرغم من أننا كنا نختلف ونهدر نصف أعمارنا في الانتصار لاختلافنا، ونصفها الباقي للدفاع عما هدرناه، نتفق أن العمى الذي أصاب الديكتاتورية العربية هو فريد من نوعه، وكأن سرا عجيبا يغشى على أبصارهم، فما من ديكتاتور سقط او سيسقط إلا وراى بعينيه وعيني مضلليه، وأحس سواء تخشبت حواسه أو بقي فيه رمق أن الزمن تغير، وأن الشعوب أرادت الحياة ولا بد أن يستجيب القدر، وأن التكرار يعلم الشطار، لكن العمى الديكتاتوري أغشى على بصرهم وبصيرتهم، وأنهم كذبوا حواسهم وعيونهم، ولم يكذبوا بطانتهم التي تقودهم الى مصير يجرعهم أمر كأس لم يذوقوه بعد.. سقط زين الفارين كما يحب التونسيون أن يلقبوا من عزلوه، وهو زين الفارين لأنه كان أكثر إدراكا لإرادة الشعب وصوت أبي القاسم الشابي الذي زلزل قبور الحكمة العربية، وفر بأقل ما أتيح له من المقاومة الهمجية، وتبعه حسني مبارك الذي كابر وراوغ وناور فما تبارك لا بأقدام البغال ولا برفس البغالة التي رفست أحلامه، أما العقيد الذي علمنا أنه من أعتى الثوريين، مما جعلنا في فترات سكرتنا بجزمات الثوريين أن نخص تفرده بقيادة ثورة «الطز»، وبناء مملكة «الطز» التاريخية، انه ليس إلا لفظ تلك الكلمة ومعناها فكان أول منهزم وأول من تخلى عن مفاعلاته النووية ما إن سمع الدبيك حوله حتى ترك لقب العقيد واستجار بلقب القعيد ودمرها، وما إن اهتزت جمهورية «الطز» التي بناها على مزاج لا بشري ولا جني، بل هو كرتوني، غجري مذهب بأفقع الألوان، ما إن أحس بأن كرسيه الثوري ليس إلا «طزا» تاريخيا حتى راح يفترس شعبه بأوحش الطرق، ويرهن ثورته وتاريخه النضالي المزيف مجانا للغرب ولإسرائيل، ولم يخجل أن يصرح علانية أن وجوده يحمي إسرائيل، وأن انهياره يفسح لإسرائيل البقاء مستجديا مساعدة الغرب على إبائه على عرش ثورة «الطز»، وجعلنا في لحظة عابرة نقضم أصابعنا ندما على كل لحظة صدقنا فيها أنه ثوري وعروبي ومناضل ومناصر تحرير فلسطين، فأي عماء أصاب ويصيب الديكتاتوريات العربية عن تاريخها، عن زيفها، عن افتضاحها، عن هزلها، وها هي الشعوب التي تعرف ديكتاتورييها، وتخبرهم، تمنحهم الفرصة تلو الفرصة، ليتراجعوا عن كبريائهم المزيف، عن صلفهم وتعجزفهم ليعملوا معهم من دون دماء وتخريب على إصلاح ما أفسدوه، لكنهم يأبون بصلف يدل على عماء وغباء لا مثيل له، وينسون أن الشعوب أفاقت من كراها، وسئمت الخنوع، ولكنها شعوب حضارية لا تريد أن تثأر وتنتقم فتعطي الفرصة للإصلاح، ولم يستفد حتى الآن حاكم مما جرى ويجري، بل تجد كل واحد منهم يزداد صلفا وادعاء أنه مختار من الإرادة العليا وأن ديكتاتوريته غير ديكتاتورية الساقطين قبله فيفوت الفرصة على نفسه وعلى شعبه ويختار المكابرة ومعاندة إرادة الشعوب، وينسى أن الشعب العربي يردد أنه يعرف وبلا خلاف هذه المرة أسماء العشرة المبشرين بجدة المحكوم عليهم بالفرار مهما توحشوا في مقاومة إرادة الشعوب، ومهما كابروا في التهرب من تجرع الكأس التي سيشربونها رغم أنوفهم، وعلى الرغم مما أسلفوه من قمع وهدر لحقوق شعوبهم فإن شعوبهم تحاورهم لكنهم عمي بديكتاتورياتهم، صم بعجرفاتهم، بكم فسادهم، إن الشعوب العربية كتبت بدمها رسالتها الخالدة، وفتحت قلوبها للحرية والحضارة الإنسانية، وهي شعوب كريمة، أبناء كرماء يناشدون قادتهم أن يتحولوا الى أنظمة حضارية ليس إلا، لكنهم الى متى سيبقون مصرين على أن يكون كل منهم أحد العشرة المبشرين بجدة، والفرار والتنحية القسرية، فهذا لم أفهمه، ولم ولن تفهمه الشعوب التي تمردت، ومن يظن أنها ستستكين فهو مصاب بعمى الديكتاتورية الصم، لكن لعل أولي الألباب يفهمون ويلحقون بشعوبهم التي سبقتهم بوعيها، فيتحولون إلى رموز تاريخية في القيادة بدلا من أن يتحولوا الى رموز تاريخية للفرار والخزي لعلهم.. لعلهم.. لعلهم.