لئن أجمعت أغلب القوى السياسية على تبني مطالب اعتصامات "القصبة"1 و"القصبة 2" والتي اعتبر المتابعون أن لها فضلا في التسريع في دوران عجلة تحقيق أهداف الثورة وفي إيصال أصوات مكونات من الشعب حول مطالبهم وتطلعاتهم لمستقبل البلاد، غير أن "القصبة 3" أثارت وخلافا لسابقاتها ارتباكا واضحا طغى على ردات فعل القوى السياسية حول هذه الدعوات. ورجوعا إلى كواليس هذا التحرك الذي وصفه البعض بالغامض فقد تحرك عدد من الجمهور أيام الجمعة والسبت الفارطين، وانطلقت محاولة الوصول إلى القصبة، وتجمعت كتل أخرى في شارع الحبيب بورقيبة، فتميز هذا التحرك بالشتات وبغموض في الأهداف والشعارات التي اختلفت وتناقضت في بعض الأحيان(بين مناد برحيل الحكومة الانتقالية، وجمهور رفع مطالب اجتماعية، وغفر طالبوا بالخلافة الإسلامية، وآخرين بالجهاد...) وهو ما أربك الملاحظين في تحديد الجهات التي تبنته، إضافة إلى تحديد ظروفه المكانية والزمانية ومعانيها. وقد زادت "صدفة" وقوع أحداث الأحد والاثنين في المدينة العتيقة بالعاصمة والتي أكد شهود عيان أنها سببت فوضى عارمة وسقوط ضحايا وتدخلا كثيفا لأعوان الأمن، مزيدا من الضبابية على ما يحدث. وان لا يمكن بحال من الأحوال الحسم في تداخل مختلف هذه الأحداث أو عدمه قبل التحري الدقيق في الموضوع.. ومن جهة أخرى يجتمع مختلف التونسيين على وجوب عدم الخلط بين الفوضى والعراك من ناحية وأي تحرك ذي طابع مواطني أو يحمل في طياته أهدافا ومنطلقات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية واضحة _وهو حق كفلته الثورة_ وهو ما يجعل بدوره طرح السؤال ضرورة حول حقيقة "القصبة 3"؟ ومن يقف وراءها؟ وماهي أهدافها؟ ضبابية وهروب من المسؤولية أجابت مختلف الأحزاب السياسية عن من يقف وراء "القصبة3" ومن يحركها بعدم درايتها للقوى المحركة لهؤلاء، وهو يأتي خلافا لتصريحات سبق أن أوردها شكري بالعيد المتحدث الرسمي باسم حركة الوطنيون الديمقراطيون ل"الصباح الأسبوعي3 مؤكدا وقوف قوى خفية ومعادية للديمقراطية وراءها. فأكد نور الدين البحيري المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة أن الحركة تساند جميع التحركات التي تصب حسب رأيه في مطالب الثورة. وقال أن على مختلف القوى المساهمة في المجلس الوطني والمجالس الجهوية لتحقيق أهداف الثورة أن تتحاور من أجل المضي في مثل هذا التحرك. غير أنه لم ينف ولم يؤكد أيضا تبني حركة ل"القصبة3" وشدد على عدم علمهم بمن يتبناها. ومن جهته اعتبر حمة الهمامي أن حزب العمال الشيوعي التونسي يساند كل تحرك يتبناه الشعب، غير أنه نفى أيضا أن يكون على دراية بمن يقف وراء هذا التحرك. وتراوحت إجابات مختلف المكونات السياسية في إجابة عن هذه الأسئلة بين مندد بالفوضى والعنف والتعصب ولعرقلة المهام المنوطة في عهدة مكونات المشهد السياسي في هذه المرحلة من جانب، وبين مدعم لمطالب الملوحين بالاعتصام بلغة مزدوجة تبرئها من المسؤولية من ناحية أخرى. ولكن الجميع اجتمع على عدم تحمل المسؤولية في التنديد صراحة بموجات العنف والتحرك المزدوج وفي أماكن مختلفة وحساسة وصلت حدود وزارة الداخلية. وحذر الكل أيضا بوضعية البلاد الاستثنائي وما يتطلبه ذلك من وقفة حازمة. وضع هش ويذهب عادل الشاوش القيادي بحركة التجديد إلى أن طريقة إيقاف العمل وخنق عمل مؤسسات الدولة ودواليبها غير مقبول، مؤكدا على وجوب التريث والصبر خاصة أن الموعد الانتخابي يفصلنا عنه أسابيع ليقول الشعب كلمته. وتمر البلاد كما يعلم الجميع بمرحلة دقيقة وحساسة خاصة ان أخذنا بعين الاعتبار نسق النمو الاقتصادي الذي تراجع كثيرا، والذي انخفض إلى حدود أقل من 1 بالمائة تقريبا _وهذا متوقع في هذه الظرفية_ غير أن ناقوس الخطر بدأ يدق، وهو ما يتطلب تضافرا للجهود وتحملا للمسؤولية ووقفة شجاعة ومبادرات عملية وفعلية ملحة. ويذهب الديمقراطي التقدمي إلى أن محاولة بث الهلع أو الرجوع إلى الوراء ورفع شعارات غير مسؤولة هدفها إرباك الحكومة ومختلف المكونات محاولة أخرى لتأجيل كل شيء وتأبيد للواقع الاستثنائي الذي لا يخدم سوى مصالح تلك القوى التي تتبنى هذا الطرح. كما أن الظرفية السياسية الاستثنائية والتي حملت بفعل الضرورة الحكومة الوقتية مسؤوليات مع عدد من الهياكل التابعة لها ومكونات المشهد السياسي دون استثناء مسؤولية الخروج من هذا الحال بأخف الأضرار وبتحضير بناء إلى الاستحقاق الانتخابي وأيضا ما بعد المجلس التأسيسي، يجعل مختلف القوى كل من موقعها تتحمل مسؤولية وضع البلاد على سكة الانتقال الديمقراطي المأمول حسب رأي المتابعين. وان جذرت الثورة للأصل والطبيعي في أن يكون للمواطن التونسي الحق في التعبير في النقد في اختيار فكره وانتمائه ومرجعيته...فان الفوضى والتعصب لن يكونا سوى تناقض مع الحرية ولن يكونا سوى صخرات متحجرة معرقلة لطريق التحرر الذي فتحته الثورة أفقا لهذا الشعب. وهنا تحديدا تنطلق مهام الأحزاب السياسية التي فتح لها الشعب الأبواب لتعبر عنه وتلتحم به وبهمومه، ولتقوم بواجبتها في امتحان لمدى تحمل مسؤولياتها عند الخطر والانحراف، دون حسابات ضيقة ولا عرضية،لن تكون بحال من أحوال أولوية عن مصالح الوطن الكبرى.