حياة السايب جاءتنا من ليبيا "رسالة " موجّهة على ما يبدو إلى تونس حكومة وشعبا. إنها "هديّة" مسمومة وحزينة ومقرفة وتكشف عن معدن صاحبها. معدن لا يمتّ إلى النبل وإلى كرم الأخلاق بصلة. تتمثل هذه الهدية في شاب تونسي في وضع إنساني مؤسف ألقي به على الحدود بيننا وبين القطر الليبي الشقيق من الجهة الليبية بعد أن تعرّض على ما يبدو للتّعذيب والتنكيل بجسمه وعقله. كان عبارة عن كتلة من اللّحم ملقاة بالشارع معرّضة بذلك لنهش الكلاب. وإن كان التلفزيون التونسي لم يجازف بترجيح فرضيّة بعينها حول الجهة التي أرسلت لنا بهذه الهديّة عندما نقل الخبر بالصوت والصورة ليلة أول أمس خلال النشرة الرئيسية للأنباء منتبها إلى ضرورة تحذير المشاهدين من بين الذين قد تصدمهم الصور للشاب التونسي وهو على تلك الهيئة المزرية فإن كل العلامات البارزة على الشاب كانت تدلّ على الجهة التي أقدمت على تلك الجريمة في حقّ الإنسان وحقّ الذات البشرية. كان الشاب لا ينفك وهو يرتعد يردّد كلمة معمّر وهو يقصد بها العقيد اللّيبي الذي يخوض حربا ضد شعبه الثائر على الديكتاتورية. سبق وأن عرض التلفزيون الرسّمي اللّيبي مشاهد يظهر فيها الشاب ورفيقا له لا نعرف عن مصيره شيئا بعد يعترفان على نفسيهما بأنّهما قدّما حبوب الهلوسة للّيبيين. وكان القذّافي في بداية الثورة في بلاده قد وصف الثوار على غطرسته بأنّهم واقعين تحت تأثير حبوب الهلوسة وبالتالي كان لابد له من إثبات فلم يجد أفضل من تونسيين لا حول لهم ولا قوة وهم خارج تراب الوطن ليزجّ بهم في القضية. فرصة سانحة وهامّة اقتنصها جيّدا للتشفي على ما يبدو لأن العقيد يتّهم التونسيين ظلما بأنهم سبب بلائه فهو في اعتقاده لو لم تقم الثّورة في تونس لما لحقته إلى ليبيا. الرسالة تدل على الوجهة القادمة منها حتى وإن لم تشأ هذه الجهة الكشف عن وجهها لكن إمضاءها كان واضحا على جسد الشاب وعلى أعصابه وعلى عقله. إن الرسالة كانت واضحة فهي تحذر من مغبة الوقوف في وجه الطرف الذي أرسلها وهو على الأرجح معروف وقد لا نحتاج للإشارة إليه بالبنان فالكل يمكن أن يحزر من أراد أن يمس من كرامة التونسيين من خلال هذا المشهد المريع الذي نفهم منه إرادة واضحة لجعل التونسي يشعر بالإهانة وبأنه لا حول له ولا قوة وبأنه يمكن أن يعبث به في أي لحظة وأن يلقى بالشارع فريسة للكلاب. ولكن لم يصدر أي تعليق أو ردة فعل مباشرة بعد بث تلك الصور في الوقت الذي توقعنا فيه أن يقع الإتصال مباشرة بشريط الأنباء بمجرد أن تم بث تلك الصور البشعة لأن كرامة التونسي لا تنتظر تأجيل الأمر إلى الغد. لم تصدر ردّة فعل مباشرة من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في تونس وقد تحررت بعد الثورة الشعبية ولا من الحكومة المؤقتة ولا من الأحزاب السياسية التي باتت تولد مثل الفقاع ولا من أي طرف من ممثلي المجتمع المدني لأن أمورا أخرى على ما يبدو تلهيها على مشهد بشع كذلك الذي أتحفتنا به إحدى الجهات الليبية وهي على الأرجح معروفة. ولكننا مازلنا ننتظر موقفا حازما من التونسيين حكومة ومجتمعا مدنيا وشعبا لأن الرسالة موجهة للجميع وهي رسالة تهديد ووعيد وتعهد بأن الآتي ربما يكون أفضع.