رغم تقمصه عديد الأدوار وخوضه تجارب مختلفة في المسرح والسينما والأعمال الدرامية والتنشيط التلفزي، خلال مسيرته على امتداد عقد ونصف، فإن الممثل محمد علي دمّق يفضل أن يكون مسرحيا بالأساس. فجمعه بين التكوين الأكاديمي -باعتباره من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي- والموهبة والطموح من العوامل التي أهلته ليكون من بين الأسماء التي تتقدم في الصفوف الأولى للمشاركة في إعادة الهيكلة والتنظيم للقطاع. وقد تطرق في الحوار التالي الذي أجريناه معه إلى عديد المسائل والاشكاليات الحافة بالقطاع لا سيما في ظل الحراك أو»المخاض» الذي تشهده الساحة في هذه المرحلة الانتقالية. -حسب رأيك هل يمكن أن تكون الأعمال المسرحية والدرامية مكملا للثورة؟ اليوم لا يمكن أن نتحدث عن ثورة وإنما عن بوادر ثورة. فنحن مطالبون الآن وأكثر من أي وقت مضى بأن يكون لنا مسرح تأسيسي لأن ما بعد 14 جانفي هي المرحلة الأهم بالنسبة لتونس والتونسيين الأمر الذي يتطلب من الجميع وقفة جماعية جادة واستفاقة وبعد نظر في التعاطي مع المسار التأسيسي المطلوب. علما أنّ الفن الرابع كان ولا زال من «أشرف» القطاعات لأنه قطاع قائم على النقد والرفض للواقع ولم تدنسه «قذارات» سياسة النظام البائد. في حقيقة الأمر كنا «نأخذ مالهم ونضحك على هبالهم» سواء بالإيحاء أو الترميز أوالتصريح المباشر وليس هناك أي أدنى عمل مساند أومناشد. فأنا أعتبر أن المسرح ليس انعكاسا للواقع ولا مرآة له بل هو الصورة التي يجب أن يكون عليها المجتمع أي الصورة المثلى. فالراهن هو الذي يفرض النص والخطاب والخط الدرامي ككل. -هل تعتقد أنه في ظل تواصل الإشكالية المتعلقة بالأجيال والمدارس المسرحية يمكن التوصل إلى التأسيس لقوانين وأفكاراستشرافية للقطاع ؟ من خصوصيات بلادنا الاختلاف رغم أن النظام البائد ديكتاتوري وغيرعادل مارس على أهل القطاع شتى أنواع الاضطهاد وخلق التفرقة لكن لم يستطع أن ينتزع منا صفة التسامح التي تجمعنا. كما أنه لا يمكن أن نتحدث عن مدارس في المسرح وإنما عن تجارب تأخذ من مدارس عالمية. ثم ان من مارس المسرح في الثمانينات والتسعينات ثم كانت القطيعة. ولما ارتأوا إستعادة التجربة من جديد كالجعايبي وقنون والجبالي... بعد أن تشتت المجموعات ظهرت تجارب أخرى متنوعة عولت على نفسها وعلى ما يمكن أن تقترحه من أفكار خاصة. وهو ما أعتبره اختلافا وليس خلافا. فالوضع الحرج في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة يستوجب ترك الخلافات والمصالح الشخصية جانبا والاتفاق من أجل مصلحة القطاع عامة بتكوين جبهة أوتكتل يتجند فيه الجميع من أجل تغيير الخارطة القانونية والتنظيمية وفق مقاييس تضمن ما هو مرتقب. لذلك أعتقد أن الحل يكمن في إعداد تصور هيكلي ومؤسساتي سليم كفيل بحمل فكر له أسس استشرافية يوحده هدف خلق أونحت مسرح تونسي جديد حتى يصبح لهذا القطاع خطابات وتجارب وإيديولوجيات. -وهل لديك اقتراح عملي لتجاوز الهنات القانونية والهيكلية في هذا القطاع؟ هناك مشاريع للنقابة وللاتحاد لكنها متوقفة على تحيين القوانين وهوما أجمع عليه أهل الميدان. فعدد كبير من بطاقات الإحتراف مسندة بشكل غير قانوني وحاملوها لا يستجيبون للشّروط القانونية. لذا أدعوإلى مراجعة هذه البطاقة الاحترافية بسحبها ثم إعادة النظر في القوانين والمقاييس المعتمدة لإسنادها. - ألا تشاطر الرأي القائل بأن المركزية وتهميش ثقافة الجهات من العوامل التي أثرت سلبيا على مستوى الفن الرابع والفاعلين فيه؟ أعترف أن المظالم التي تعرض لها القطاع كانت نتائجها وخيمة ليس على الفاعلين فيه فقط وإنما أيضا على المتلقي. فقد تم إفراغ التجربة المسرحية الشابة ومسرح الهواية والمسرح الجامعي داخل الجهات فضلا عن إفراغ الجهات من موروثها وواقعها ولم نمكنّها من خلق أقطاب تنجز إبداعات في المقابل كرست المركزية وهو ما جعل المسرح الجهوي بعيدا عن الواقع في الجهات. وبقيت الصورة في العموميات بإبعاد الممارسة المسرحية على الجهات. إضافة إلى تهميش خريجي المعهد الأعلى للفن المسرحي وإلحاقهم بالتعليم مما حال دون نفس جديد. فإلحاق خريجي الجامعة في هذا الاختصاص بالتعليم كان الغرض منه إفراغ الساحة المسرحية من الطاقات الشابة التي تحمل فكرا جديدا مغايرا. وهي مؤامرة لأن طاقة استيعاب المعهد الأعلى للفن المسرحي إلى حد هذا اليوم غير كافية لتغطية حاجة التعليم. كما أن الطريقة التي تتعامل بها وزارة التربية كمادة لها خصوصيتها أفقدتها البعد الإبداعي والتنشيطي الحقيقيين بل «تفّهتها». في حين كان من الأجدى تكوين أقطاب مسرحية في كل الجهات. -ولكن هل هناك بوادر تؤشر لإمكانية تحقق ذلك؟ أنا متفائل لأني فاعل ولن أنسحب من النضال من أجل الاستفادة من هذه المرحلة الحاسمة والتاريخية، وسأدافع عن رأيي وموقفي رغم أن الخطأ الذي وقع فيه أغلب المسرحيّين حاليا هو الاتجاه إلى المطلبية المباشرة العاجلة والآنية في حين أن الأهم هو التأسيس دون السقوط في تصفية «الحسابات» و»التنظيف» لأن لنا وسائل أرقى من كلمة «ديقاج». - طالبت ببعث مراكز جهوية للفنون الدرامية والركحية كحل يضع الفن الرابع في المسار الصحيح المرتقب ولكن هناك مراكز موجودة منذ سنوات انخرطت المادة التي تقدمها في خانة ما هو موجود؟ هذا رأي ومطلب المجموعة لأن خلق مراكز إبداع في كل الجهات من شأنه أن يكون قادرا على تبليغ الخطاب والصورة المسرحية بشكل مباشر مع المتقبل بتأصيل طابع الجهة وتراثها حتى يكون اختلاف يجسد ويؤكد وجود هوية. ولعل أبرزتمش في ذات الإطار مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين الذي بعث بعد الثورة لأن مديره أنور الشعافي منخرط في نفس الفكرة ومن المدافعين عنها قبل الثورة وهو حلم ورغبة دفينة لثلة من المبدعين الشبان. لكن لا أنكر أن هناك- في بعض التجارب التي تمت- من كرس الذاتية في المسرح ولم يسع لتفعيل الهدف والدور المطلوب. - ألا تخشى من السقوط في الفوضى بعد التخلي عن الرقابة؟ أعتقد أن هذه المسألة غير مطروحة في الفن الرابع لأن الرقابة التي كانت موجودة سابقا هي رقابة مزايدات وموالاة. وفنيا الرقيب اليوم هو العلاقة بالمتلقي أوالمستهلك لأن المسرح مثل سائر المهن الأخرى التي تقدم بضاعة كالنجار والحداد.. وقد اقترحنا كمسرحيين ميثاق شرف لتنظيم المهنة يدعو إلى احترام المتلقي. -ماذا عن مشروعك الذاتي؟ لا أنكر أني راض عن التجارب التي خضتها سابقا في الأعمال الدرامية ك»شرع الحب» أو في «يا هكة يا هكة»... أو مشاركتي في مسرحيات «أن والكنترباص» وليلة في حلق الوادي» ومائة نجمة ونجمة» وغيرها من الأعمال المسرحية... لكن رغبتي في التفرغ للعمل تضاعفت حاليا، فأنا منهمك بالتحضير للدخول في تصوير سيتكوم لرمضان القادم للسيناريست هيفل بن يوسف والمخرج سامي الجزائري إضافة إلى المشاركة في شريط سينمائي»مر وصبر» للمخرج نصر الدين السهيلي. نزيهة الغضباني