نظام المخلوع لم يكن يهتم بما يقوله أصدقاؤه وكانت لنا معه خلافات عميقة التقت "الصباح" في مقر وزارة الخارجية الأمريكية، بالسيدة جانيت سندرسن، نائبة مساعد وزيرة الخارجية لشؤون المغرب العربي والخليج، والسفيرة الأمريكية سابقا في الجزائر، حيث أجرت معها حوارا خاصا تناول علاقة المخلوع بن علي بواشنطن وتطورات الساحة التونسية ومجالات التعاون المستقبلي بين البلدين وآليات دعم عملية التحول الديمقراطي بتونس وفتح باب الجامعات الأمريكية للطلبة التونسيين وجلب الدكتاتور الفار وأسرته للعدالة. بدأت السيدة سندرسن حديثها عن الثورة التونسية قائلة:"ما حققه التونسيون مدعاة للفخر والإعتزاز، وأعتقد أن على التونسيين أن يفتخروا بما أنجزوه. لقد مضت الآن أربعة أشهر، وما قاموا ولا زالوا يقومون به يشكل مبعث إعجاب وإلهام. ونحن متحمسون جدا لما أنجزه الشعب التونسي. من البديهي أن ترغب الولاياتالمتحدة في مساعدة الشعب التونسي خاصة وأن هذه مرحلة إنتقالية مهمة جدا".
كيف كانت علاقة الحكومة الأمريكية بنظام الدكتاتور المخلوع بن علي؟
لنكن صريحين، لقد كانت لدينا مخاوف جدية تجاه نظام بن علي حتى قبل أن يسقط. لقد كان واضحا لدينا أنه كان يستخدم سلطته من أجل تعطيل أي عملية سياسية حقيقية وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في غاية الخطورة ولإلغاء أي حوار. لقد استخدم النظام المخلوع كل ما لديه من سلطة من أجل البقاء في الحكم. كانت هناك خلافات عميقة بيننا وبين نظام بن علي ولقد عبرنا عن ذلك بشكل علني. وبكل صراحة، كان أي حوار صريح مع نظام بن علي في غاية الصعوبة. هذا نظام غير مهتم بتاتا بما يقوله أصدقاؤه. ولقد أصبح واضحا لنا أن الوضع في تونس متدهور. وهذا أمر يؤسف له، لأن لتونس مؤهلات ضخمة: شعب متعلم وموقع جغرافي ممتاز وشباب حيوي وذو مستوى تعلميي جيد، وطبقة وسطى ناشطة اقتصاديا. لقد كانت كل تلك المؤهلات للمراقب الخارجي مهدورة وممنوعة من القيام بدورها. وهذا ما يضر بمستقبل تونس وله تأثير سلبي كبير على الشعب التونسي.
لقد كانت ثورة الشعب التونسي ثورة سلمية وخالية من الشعارات الإيديولوجية من طراز "الموت للإمبريالية" أو "الإسلام هو الحل"، ألم تتفاجأ الحكومة الأمريكية بذلك؟
أعتقد أن العالم بأسره تفاجأ، وجميعنا شعرنا بالابتهاج والإلهام بما حدث في تونس من أجل تحقيق تطلعات الشعب التونسي. لكن الجانب المؤلم في الأمر هو، بطبيعة الحال، سقوط ضحايا فقط لأنهم أرادوا حريتهم وأرادوا فرصة من أجل التعبير عن رؤاهم والتحكم في مستقبلهم. وأعتقد أن ذلك (سقوط ضحايا) يشكل خسارة كبيرة للشعب التونسي. ما حدث في تونس يهمنا جميعا، لذلك قامت الحكومة الأمريكية بتقديم تعازيها عن الضحايا. لقد كانت فعلا ثورة شعبية لم تندلع من المدن الكبرى بل من المناطق الداخلية. وبالتالي، وبعد زمن طويل، أصبح بإمكان التونسيين أن يصنعوا مستقبلهم بأيديهم. فهم سيعبرون عن آرائهم وسيتجادلون وسيحددون أولوياتهم. أعتقد أننا، كأصدقاء لتونس، نجد أن الأمر مثير للحماسة ومشجع، لكن، وفي نفس الوقت، لا يجب أن نغالط أنفسنا ونغفل عن الصعوبات التي ستعترضهم. إلا أنه، وكما ذكرت لك آنفا، للشعب التونسي مؤهلات ضخمة وعوامل كثيرة هي في صالحه. يجب أن نكون واقعيين عندما نريد بناء ديمقراطية وبناء مستقبل للبلد، ذلك يتطلب الكثير من الجهود والحوارات وسترتكب أخطاء وستتحقق نجاحات.
إذن، تعتقدين أن هناك إمكانية حقيقية لتأسيس نظام حكم ديمقراطي وتعددي في تونس؟ هل اتخذتم أية خطوات لتحقيق هذا الهدف؟
نعم، نحن متفائلون. لكن يجب ألا نقلل من طبيعة المهام المطلوب إنجازها. أعتقد أنه بعد الصدمة التي أحدثها سقوط نظام بن علي، أصبحنا أمام واقع جديد. لدينا حكومة مؤقتة، ويتم التحضير الآن لإنتخاب حكومة شرعية في المسقبل وسيكون هناك مجلس تأسيسي لإعداد دستور جديد سيعالج القضايا الإقتصادية للمواطنين والحاجة لبناء وسائل الإعلام ووضع التركيبات الأخرى للتعبير عن الآراء. لا أعتقد أن الحكومة فقط تحتاج أن تبنى بل المجتمع المدني والإعلام والأحزاب السياسية والقضاء كذلك. هناك العديد من الأمور يجب معالجتها مع مرور الوقت. بمجرد أن يكون هناك موعد انتخابات وأنهم بدأوا في تنظيم أحزاب سياسية وأن هناك جدلا حقيقيا حول ما يجب أن ينص عليه الدستور القادم إما نظام رئاسي أو برلماني واشراك المجتمع المدني والشباب والنقابات، وهذه كلها ملامح إيجابية. هناك مهام كبيرة إذا عرفنا أنه أمامنا حوالي شهرين أو ثلاثة قبل إجراء الإنتخابات، فهذه فترة قصيرة ونحن راغبون في تقديم يد العون إلى جانب المجتمع الدولي الذي عرض تقديم المساعدة أيضا. نعم، أنا متفائلة.
كما، تعلمين، ظهرت الحركات الإسلامية للعلن في كل من تونس ومصر معلنة ايمانها بقواعد اللعبة الديمقراطية، ما هو رأيكم؟
أعتقد أن الأحزاب والمنظمات السياسية سيحكم عليها الشعب (الناخبون) بناء على أدائها السياسي وعلى ما سيقدمونه للناس وليس بناء على شعاراتها. برأيي، أي حزب أو أي تنظيم سياسي يكون موافقا على مبدأ المشاركة الديمقراطية وأنه موافق على ما يؤمن به بقية المجتمع التونسي من حقوق سياسية وأنه موافق على تحمل مسؤوليته كاملة عما يقوم به في المجال السياسي، هذا هو برأيي المقياس الذي نحكم به. قطعا، يجب مراقبتهم بحذر. ونحن نتعامل مع كل الأطياف والأحزاب السياسية التي يقع انتخابها. علينا أن ننتظر لنرى، لكنه يجب علينا أن نشجع الجميع على المشاركة السياسية.
في ضوء حديث وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن الربيع العربي، كيف ستساهم الولاياتالمتحدة في دعم الطبقة السياسية في تونس؟
كما ذكرت، نحن ملتزمون بمساعدة الشعب التونسي عبر تقديم ما يحتاجونه لبناء مستقبل سياسي. ونحن سوف لن نفرض عليهم شيء وسوف لن نلزمهم بأي شيء والأمر يعود لهم. لدينا بعض البرامج المساعدة على تطوير الأحزاب السياسية والتي تشجع على وضع إطار عمل سياسي كي يعمل بنجاعة مثل عملية تسجيل الناخبين وتسيير وإدارة الحملات الانتخابية وبرامج لتطوير وسائل الإعلام، لأنه، وكما تعلم، تحت نظام بن علي لم يكن هناك إعلام حر وهو أمر في غاية الأهمية لأي ديمقراطية مستقبلية. حتى وإن اختلفنا مع الخط التحريري، فالحوار يبقى مهما. نريد أن نتأكد من أن من لم تشملهم العملية السياسية مثل النساء والشباب ستكون لديهم فرص للمشاركة والتمتع بحقوقهم. نقدم مساعداتنا عبر مكتب مبادرة الشراكة شرق أوسطية (Middle East Partnership Initiative)، ونحن بدأنا ذلك مباشرة بعد الثورة حيث أرسلنا فرق عمل كي نستمع إلى حاجيات التونسيين بدل أن نقول لهم خذوا ما قررنا أن نعطيكم، أردنا أن نعرف ما هي أولوياتهم من أعضاء الأحزاب السياسية ومن الحكومة ومن المؤسسات الإعلامية. وبطبيعة الحال قدمنا بذلك بالتوازي مع أصدقائنا خاصة الأوروبيين. نحن نتفهم أنه بعد أكثر من عشرين سنة تحت نظام سياسي قمعي واضطهادي، سوف تنعدم الآليات الضرورية للقيام بما يجب القيام به حاليا خاصة وأن تونس مقبلة على نقلة نوعية. لقد خصصنا مبلغ 20 مليون دولار للقيام بذلك. وستقوم هيئات أمريكية مستقلة بتنفيذ هذه البرامج مثل المعهد الوطني الديمقراطي (NDI) والمعهد الدولي الجمهوري (IRI) والمؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية (IFES). لقد خصصنا مكتبا خاصة في السفارة الأمريكية في تونس لهذا الغرض لأننا نعتقد أن هذه أولوية قصوى. هذا من الجانب السياسي، أما الجانب الإقتصادي، يجب التأكد من قدرة تلبية الحكومة للحاجيات الإقتصادية للمواطنين مثل خلق وظائف وتقديم خدمات إجتماعية ونحن نبحث عن سبل دعم العلاقات التجارية بين الولاياتالمتحدةوتونس لتنشيط الإقتصاد لأن جانبا كبيرا مما حدث قبل أربعة أشهر كان بسبب انعدام الوظائف وتردي الوضع الإقتصادي. ولدينا تشكيلة واسعة من البرامج الإقتصادية لمساعدة تونس. إن الوزيرة كلينتون مهتمة شخصيا بانجاح التجربة التونسية وقد عبرت عن ذلك علنا، ولذلك زارت تونس.
هل أن الحكومة الأمريكية ستساعد الحكومة التونسية سواء المؤقتة أو التي ستليها في جلب الدكتاتور المخلوع وحاشيته للعدالة واسترجاع الأموال التي نهبوها؟ وهل اتخذتم أي قرارات بهذا الشأن؟
نعم، لقد اتخذنا قرارين: مباشرة بعد الإطاحة بالنظام قمنا مباشرة بإلغاء تأشيرات دخول الولاياتالمتحدة التي حصل عليها افراد عائلة بن علي وكبار المسؤولين في نظامه، وبالتالي لا يمكنهم السفر إلى الولاياتالمتحدة ولا يمكنهم الإقامه فيها أيضا. لقد قطعنا عليهم الطريق كي لا يأتوا إلى هنا. أما الإجراء الثاني، وهو ما طرحناه مع مسؤولين تونسيين ومع السفير التونسي في واشنطن وهو موضوع الممتلكات، فقد أصدرت وزارة المالية الأمريكية بلاغا للبنوك كي يعلومها بأية تحويلات مالية كبيرة. ولحد علمي لم يحاول أقارب بن علي سحب مبالغ مالية كبيرة من حسابات بنكية في الولاياتالمتحدة. ونحن عرضنا مواصلة تقديم المساعدة للحكومة التونسية حول هذا الموضوع، وهو ما تحدثنا حوله أثناء لقاءاتنا مع السفير التونسي محمد صالح تقية، خاصة أن الحكومة التونسية تحاول ملاحقة تلك الأموال والممتلكات التابعة للنظام. ومحادثاتنا حول الموضوع جيدة ومتواصلة.
هل ستذهب الحكومة الأمريكية إلى حد الضغط على كندا أين يوجد صهر بن علي (بلحسن الطرابلسي) الذي يحوز ممتلكات هناك؟
لم نتداول في هذا الموضوع، على حد علمي. لكننا نعلم ومتأكدون أن الكنديين يتحدثون مباشرة مع الحكومة التونسية في الأمر. وبصراحة لا أريد أن أدخل في التخمينات والفرضيات.
ماذا لو سئلت الولاياتالمتحدة بأن تستخدم نفوذها على الكنديين والسعوديين في هذا الموضوع، هل ستقدمون المساعدة؟
كما ذكرت، لا أريد ان أدخل في فرضيات. لكن وكما أخبرنا التونسيين، قدمنا المساعدة المطلوبة فيما يخص ما يوجد داخل الولاياتالمتحدة وهو ما سبق لنا أن عرضناه على السفير التونسي.