اذا كانت «الأسبوعي» قد زارت في الأسابيع الماضية عديد المناطق الحدودية والجهات الداخلية للاطلاع على الواقع الأليم لمتساكنيها فإنها ارتأت في هذا العدد التحول الى بعض الأحياء بالضواحي الشمالية للعاصمة لعلها ترصد واقعا مختلفا ومشهدا مغايرا؛ لكن المفاجأة الصادمة أن هذه الأحياء مازالت تتخبط هي الأخرى في مشاكل لا يمكن حصرها رغم ان المسافة التي تفصلها عن القصر الرئاسي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة من الكيلومترات ليبدوالتناقض صارخا بينها وبين بعض الأحياء الراقية المحاذية لها الى حد وكأنها لا تنتمي الى جغرافية نفس المكان اذ ان متساكنيها مازالوا يعانون من الأوحال والمستنقعات شتاء والغبار والناموس صيفا.وإيمانا بضرورة مواصلتها في نفس التمشي سلطت «الأسبوعي» كذلك الضوء على مشاغل ومشاكل مواطني أرياف مكثروالروحية الذين باتوا يتطلعون الى طي صفحة المعاناة والألم التي حكمت عليهم بالعذاب على امتداد عقود عديدة .وبين ضواحي العاصمة ومناطق سليانة ينظرالجميع إلى الغد بأعين حالمة لعل ثورة الحرية والكرامة تنصفهم بعد سنوات الحرمان والقحط . " الأسبوعي" في ربوع سليانة «كفيف» يعرف حفر طرقات مكثر.. و"المڤرونة" تريد الانفصال إداريا عن الولاية ! اقترن اسم ولاية سليانة منذ عهد النظام البائد بالفقر و التهميش و الاقصاء والامية . كما ان مصطلح مناطق الظل يتجسّد قلبا و قالبا في ربوع الجهة و هو الذي طاب له المقام بهذه الولاية فأبى الا ان يواصل اقامته فيها «بكل حزم» غير مكترث بثورة الكرامة .وهو ما اكتشفته «الاسبوعي» خلال جولتها ببعض ارياف سليانة التي لا تزال تعيش عصر الظلمات نتيجة سياسة اّلّلا توازن و الّلا عدل بين الجهات التى كرّسها النظام السّابق ... مكثر : من مدينة اثرية الى مدينة مقصية جولتنا في مدينة «مكتريس» كما يحلو للبعض تسميتها انطلقت من الشّارع الرئيسي للمدينة لمّا التقينا السيد « زهير العلوى « العامل بمعهد مكثر و هو يهم بقطع الطريق نحو المقهى لاحتساء كأس شاي رفقة صديقه السيد « الطاهر السعدى» العامل هو الآخر بنفس المعهد و بسؤالنا عمّا يشغلهما اتفقا الإثنان على عديد النقاط و هي مزيد الإحاطة بالعائلات الفقيرة و المعوزة و الاهتمام بالمشاريع التنموية لفائدة الجهة و بدأ بالعناية بالبنية التحتية للمدينة مثل تعبيد بعض الطرقات و اصلاحها و بناء الأرصفة خاصّة بالاحياء الفقيرة مثل حي «قصر اللوح» و نفس الشئ تقريبا للسيد الطاهر السعدي الذي يشكو ايضا من كثرة الاوساخ المتناثرة بحي « النحالة « اين يقطن اضافة الى المصبات العشوائية و ما ينجرّ عنها من روائح كريهة و تجمع الكلاب و القطط حولها و هو ما يزعج المتساكنين ويؤرّقهم على حد تعبيره ويحمّل المسؤولية كاملة الى المجلس البلدي المنحلّ الذي قال عنه: "«لقد أرهق كاهلنا بالاداءات و المعاليم المجحفة دون ان ينجز شيأ لفائدتنا" السيد زهير العلوى و بالرغم من أنّه كفيف علّق على هذا الموضوع بابتسامته المعهودة قائلا : " عكازي الابيض و انفي لا يكذبان فالاوّل يتحسّس جيّدا الحالة الرّديئة للطرقات لأننا تعودنا عليها وعلى مرّ الأعوام و الثاني يشتمّ الرّوائح على بعد عشرات الامتار و يفرّق بين الطيب و الكريه منها " السوق البلدى و محطة سيارات الاجرة تركنا السيد زهير العلوى يتجاذب اطراف الحديث صحبة مرافقه و انصرفنا في اتجاه السوق البلدي حيث استوقفنا السّيد "محمد زرقين" المعروف باسم "عم بلقاسم" و البالغ من العمر 60 سنة و صاحب محلّ لبيع الخضر و الغلال اجابنا بكل ثقة في النفس و اندفاع كبير مشيرا الى ان النقائص عديدة و يبقى اهمّها حسب رأيه ضرورة بناء دورتى مياه عموميتين الاولى بالسوق البلدي و الثانية بمحطة سيارات الاجرة فهذان المرفقان يؤمّهما عامة الناس و خاصة محطة سيارات الأجرة فهي عبارة عن منطقة مقفرة اذ يقول :» الامطار ترهقنا شتاء والشمس "تحرقنا"» صيفا "اما عن مشاكل حي منجي سليم الذي يسكنه فيقول بأنّها كثيرة ويبقى ابرزها النقص في انارة الشوارع حيث يقول في هذا الصدد: " اكثر من عشر مرات أبلّغ ندائي للبلدية لكن دون جدوى فرموز الفساد كان همّهم الوحيد امتصاص عرقنا و دمائنا و لا يهمّهم قضاء مصالحنا " نهب المخزون الاثري الشابان زيد الونيسي ( 20 سنة منشط سياحي) و نزار عجال (21 سنة تلميذ بمعهد خاص) يتفقان مع السيد «محمد زرقين "بخصوص نقص الانارة وغياب الاعمدة كليا في بعض المناطق خصوصا حي الانس و حي الملعب ويثيران مسألة اخرى هامة الا و هي سرقة و نهب «الطرابلسية « و أتباعهم آثار «مكتريس» من الموقع الأثري و يطالبون السّلط المعنية بإسترجاع ما سرق . كما أكّدوا أن الكنوز المنهوبة كفيلة بحلّ مشكل البطالة في المنطقة لو تحسن السلط المحلية و الجهوية استغلالها . فالموقع الجغرافي بمدينة مكثر و ما تحتويه من مواد أولية مثل الرّخام و المرمر يمكنه استقطاب المستثمرين و بالتالى القضاء على معضلة البطالة التي تؤرّق الجميع . جولتنا في أرجاء مدينة مكثر شملت عديد الأحياء الأخرى فرصدنا بعض النقاط الايجابية مثل المنشآت الثقافية و الرياضية و التربوية المتنوعة بالجهة لكن أحد الظرفاء علقّ على ذلك قائلا :» ما الجدوى من كثرة هذة المنشآت و الحال ان الشباب العاطل يهجرها نحو المقاهي التي تشهد اكتظاظا « طرقات رديئة جدا.... تواصلت الرحلة و غيّرنا الاتجاه هذه المرة لنسلك الطريق المؤدّية الى منطقة الحبابسة الجنوبية من معتمدية الرّوحية و يا ليتنا ما فعلنا فمظاهر الفقر و التهميش زادت حدة و البداية كانت بالطريق فكل من تقوده الصدفة للجهة يصدمه الواقع فالطريق ضيقة جدا و لا تسمح بمرور سيارتين لا في نفس الاتجاه و لا في الاتجاه المعاكس . كثيرة الحفر إشارات المرور مفقودة تماما لم تلحقها الصّيانة منذ إنشائها زد على ذلك كثرة المنعرجات و المنخفضات و خاصة في مستوى منطقة «مجبر» المعروفة هناك» بصعدة مجبر". مؤسسات تربوية شبيهة بالمواقع الأثرية في طريقنا الى منطقة الحبابسة استوقفنا الفضول لاكتشاف بعض المدارس الابتدائية فكان الاختيار على مدرسة «الجلاب القديمة» من منطقة الجميلات التابعة لمعتمدية الروحية دخلنا الى محيط المدرسة فخلنا أنفسنا في موقع أثري ينتظر الصّيانة : ثلاثة أقسام يتيمة يؤمها حوالى 50 تلميذا يدرسون بنظام الفرق : أي السنة الأولى مع الثانية و الثالثة مع الرابعة و الخامسة مع السادسة . يشرف عليها إطار تربوي يتكون من أربعة معلمين من ضمنهم مدير المدرسة السيد لطفى جابر الذي حدثنا عن النقائص العديدة التي تشهدها هذه المدرسة :» فرغم عراقتها حيث تأسّست في 16/فيفري/1962 إلا أنها لا تزال تفتقر الى أبسط المرافق الضرورية خاصة الماء الصالح للشراب و الحالة المزرية لسور المدرسة الذي لم يكتمل بناؤه لأسباب مجهولة «. كل هذا يجعل المكان قبلة لبعض الحيوانات الاهلية هذا دون نسيان الوضعية السيئة لدورات المياه فغياب الحنفيات والمرافق الصحية يشكّل خطرا على صحة التلاميذ و عن سؤالنا عن كيفية التزود بالماء أشار بإصبعه الى صهريج أخضر يوجد بالقرب من المدرسة و محاذيا للطريق المؤدّية الى منطقة الحبابسة . فاتجهنا الى المكان أين وجدنا السيد « محمود الرقيعي» المكلّف بشؤون المحرّك الكهربائي الذي يضخ المياه داخل هذا الصهريج لفائدة المدرسة و بقية المتساكنين من منطقة الجميلات و المقدّر عددهم بحوالي 300 عائلة حسب كلام السيد محمود الذي أضاف قائلا :» صعوبات كبيرة تواجهنا للظفر ببعض اللترات من الماء فكثيرا من الأحيان ما تجفّ هذه البئر العميقة و خاصة في فصل الصيف حيث نذوق الامرّين للحصول على قطرة ماء تروينا « كما أشار الى الوضعية غير الصحية للصهريج الذي تآكل بمفعول الصدء و هو ما يشكل خطرا على صحة المتساكنين . انعدام المرافق الضرورية بمنطقة "المڤرونة" تركنا السيد محمود الرقيعي متكئا على الصهريج و قفلنا نحو احدى المناطق المهمشة و المنعزلة حقا في هذه الربوع من جنوب ولاية سليانة إنها منطقة المقرونة التابعة لمعتمدية الروحية (50 كلم و الواقعة على حدود ولايتي سيدى بوزيد و القيروان ) سميت بالمقرونة نسبة لموقعها الجغرافي الموجود بين تقاطع وادين كبيرين هما «وادي الحطب» و «وادي الكوكي» و بينهما جبل « لبيض» الذي يفصل هذه المنطقة النائية عن حدود ولاية سيدى بوزيد حيث يعيش سكان هذه المنطقة فقرا مدقعا زادته صعوبة التضاريس سوءا على سوء . فالمنطقة لا تزال تعيش التهميش و الاقصاء على حد تعبير الخالة «فاطمة» التي وجدناها تملأ الماء من الواد حدثتنا بنبرة حزينة و بتلقائية سكان الريف عن منطقتها قائلة « منطقتنا منسية و أنتم أول وسيلة إعلامية تدخل هذه المنطقة فلا علاقة لنا بوسائل الإعلام غير ما نشاهده على التلفاز « و باستجلاء المزيد من الأخبار حول الوضع الذي تعيشه هذه المنطقة اتصلنا بعديد السكان الذين و لئن سمحوا لنا بالحديث معهم فانهم امتنعوا عن التصوير قائلين لنا :» ليست لدينا ثقة في السلط المحلية بجهتنا فنحن منسيون منذ دهر» و للأمانة فهذه المنطقة تفتقر الى كل المرافق الضرورية وخاصة الماء الصالح للشراب .لا توجد بها طريق معبدة وتنعدم فيها وسائل النقل العمومية مع غياب كلّي للمراكز الصحية . «حظنا التعيس وضعنا بولاية سليانة بدل انتمائنا لولاية القيروان القريبة منا (20كلم عن حاجب العيون)» هكذا علّق أحد الشبان مضيفا :» سامح الله السلّط المحلية و الجهوية بولاية سليانة لقد همّشونا و أقصونا من الخريطة تماما . ألسنا تونسيين؟ ألا يحق لنا العيش الكريم؟ « كلام يدمي القلوب و يفتح أسئلة عديدة : متى سينعم أهالي هذه المنطقة بالعيش الكريم ؟ ربورتاج : محرز الطاهري