السيد رئيس الحكومة المؤقتة في موقع لايحسد عليه والارجح أن قلة محدودة تتمنى أن تكون محله في مثل هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد. بالامس لم يكن بامكان السيد الباجي قائد السبسي أن يخفي احساسه بالمرارة ولكن بالمسؤولية التاريخية أيضا وهو يتحدث عن المشهد الراهن في البلاد ووقع الاعتصامات والمظاهرات وغياب الاستثمارات على واقع الاقتصاد، بل ان كلماته كانت أشبه بصرخة فزع مكتومة لم يشأ أن يجعل منها فزاعة يمكن أن تؤدي الى مزيد المخاوف لدى الرأي العام. وقد جاء اقتراح رئيس الحكومة المؤقتة بأن منع مسؤولي الحزب الحاكم المنحل سيقتصر على من تحمل مسؤولية في التجمع طيلة العشر سنوات الاخيرة عوضا عن مدة ثلاثة وعشرين عاما مع اقصاء أعضاء ديوان الرئيس المخلوع ومستشاريه من الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي ليعكس موقفا يسعى للتوافق بين شرعية القانون وشرعية الثورة.ولكن الارجح أن الجدل في هذا الشأن لن يتوقف قريبا بين معارضي ومؤيدي هذا القرار وسيجد كل من هؤلاء ما يكفي من المبررات للتمسك بمواقفهم لا سيما عندما يتعلق الامر برصد القائمة النهائية لمسؤولي الحزب واحتمالات أن يتحول هؤلاء الى سلاح ذي حدين خلال الانتخابات وذلك بمقاطعتها نهائيا أو بممارسة لعبة «العقاب الانتخابي» والتوجه للتصويت للاحزاب الاكثر تطرفا كرد فعل انتقامي... على أن الحقيقة أيضا أنه ليس بامكان أي كان مهما كانت رغبته صادقة في ارساء العدالة أن يحل محل عائلات الضحايا ولا أن يشعر بحقيقة مشاعر كل الذين تعرضوا للظلم والنفي والتعذيب والسجن أو حتى القتل على يد مسؤولي النظام السابق ولا أن يدعي معرفته بعمق الاهانات التي تعرض لها الذين تجرأوا على الرأي المخالف أو تصدوا لمحاولات مصادرة املاكهم وثرواتهم. ولكن في المقابل فان في عملية البتر والاجتثاث اصرارا على العقاب الجماعي بكل ما يمكن أن يعنيه أيضا من اجحاف في حق البعض .ومن هذا المنطلق فان في تغليب منطق القانون والعدالة لتكون كلمة الفصل في قائمة المسؤولين المعنيين ما يمكن أن يحقق هدفين أساسيين. أما الاول فيتعلق بكشف ولكن أيضا بمساءلة ومحاسبة كل من تلوثت يداه بالدماء أوبسرقة أموال الشعب وأما الهدف الثاني فهو يتعلق بالتأكيد مستقبلا على ضمان عدم تكرار ما حدث من أجل أن يعلو القانون ولا يعلى عليه. «اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» دعوة رددها السيد الباجي قائد السبسي وهي بالتأكيد دعوة أكثر ما يحتاج الى تلبيتها أبناء تونس اليوم خلال ما بقي من أيام قبل موعد الحسم في انتخابات جويلية القادم في مرحلة لا نملك معها رفاهية الخيار ولا حق للتونسيين معها في الاخفاق أوالتنازل عن الاهداف المقدسة للثورة من أجل الكرامة والعدالة والحرية. ان الثورة المضادة خطر قائم لاشك فيه قد لايقبل التهويل أوالتهوين ولكن وجب التعامل معها بواقعية وكما أن هناك قوى خارجية لا تريد لثورة تونس أن تنجح وتتحول الى مثال يحتذى في المنطقة وفي العالم فان هناك قوى في الداخل أيضا تعمل على الشد الى الوراء وتعمد الى كل وسائل الترهيب والتخويف من المستقبل...