آسيا العتروس اذا كانت استقالة السيد محمد الغنوشي رئيس الحكومة الانتقالية ستسجل على انها الاولى التي تصدر لمسؤول سياسي في بلادنا فانها لا يمكن ان تمر دون ان تثير بدل النقطة نقاط استفهام سواء تعلق الامر بالمسائل العالقة والاتهامات الضمنية التي وجهها الوزيرالمستقيل الى عديد الاطراف عن دورها الخفي فيما يحدث في البلاد او بما يمكن ان تخفيه المرحلة القادمة من احداث وتطورات ومفاجات في انتظار رئيس الحكومة القديم الجديد السيد الباجي قايد السبسي الذي قد يكون قضى اكثر من نصف عمره في العمل السياسي. ولئن كانت هذه الخطوة التي اقدم عليها السيد الغنوشي خيارا صعبا بالنسبة له لعدة اعتبارات ذاتية او سياسية وهو الذي كان يامل في تجاوز الاختبارالاخير له قبل تقاعده والخروج من عالم السياسة من الباب العريض فانها قد تكون منطلقا للقطع مع محاولات الشد الى الخلف والدفع بالبلاد الى المجهول والى صراعات حول السلطة لا نهاية لها. صحيح ان القرار لم يكن مفاجئا بل كان امرا متوقعا في كل ساعة مع احتدام الازمة السياسية وتفاقم ضغط الشارع الذي ظل بالمرصاد لكل خطوة تخطوها حكومة الغنوشي فباتت وتيرة المطالب الامنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية اشد سرعة من وتيرة المبادرات والحلول القادمة من جانب الحكومة التي لم تستطع مواكبة السباق الذي كان والحق يقال سيعجز حتى امهر السباقين في الظروف العادية ناهيك عن هكذا ظروف. وبذاك جاءت استقالة الغنوشي مساء الاحد فيما كان الشارع التونسي يعيش على وقع موجة من الاحداث الخطيرة والانفلات الامني في اكثر من موقع في العاصمة وخارجها وسقوط المزيد من الضحايا دون اعتبار للجرحى وللخسائر الماديةالتي لن يقع تحديدها حتى الان. كان واضحا خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الغنوشي لاعلان استقالته انه لم يخرج كعادته عن اطار ما عرف به من هدوء وادب في المعاملات برغم حالة التاثروالغضب التي كان عليها , وحتى عندما اشار الى الخطا الذي وقعت فيه القناة الوطنية عندما تحولت الى محكمة مفتوحة وسمحت لاحد المعتصمين الشبان في القصبة باصدار حكمه ضد شخصه "بالاعدام السياسي" فيما اقتصرت مقدمة البرنامج عن قصد او عن غير قصد على الصمت المريب فانه لم يخرج عن اطارالديبلوماسية عندما رفض الرد على سؤال لنفس القناة. وبعيدا عن الوقوع في محاولات محاكمة النوايا التي سيتكفل بها التاريخ لتحديد دور الغنوشي قبل وبعد بن علي فان الاكيد ان المرحلة الراهنة بكل استحقاقاتها الامنية والسياسية والاقتصادية وغيرها لا تخلو من مخاطر انية واخرى مستقبلية على البلاد وهي مخاطرلا تخفى على الشعب التونسي الذي بهر العالم بثورته التي باتت تلهم بقية الشعوب العربية الثائرة على الانظمة القمعية التي تظل السبب الاساسي وراء ظاهرة الفوضى وانعدام الوضوح في المشهد السياسي نتيجة عمليات التتشويه التعسفي للدساتير وغياب المؤسسات السياسية التي يمكن بمقتضاها تيسير الانتقال السلمي للسلطة عبر ارادة الشعب وصناديق الاقتراع. وبالعودة الى قرار رئيس الحكومة المستقيل فقد اختار الغنوشي ان يؤجل الاعلان عن تقديمه استقالته الى نهاية الكلمة التي توجه بها الى التونسيين وبعد ان انهى استعراض انجازات حكومته على مدى الشهر والنصف الماضيين وما تعرضت له من مؤامرات في كل مرة للاطاحة بجهودها للخروج من عنق الزجاجة. على ان المهم وربما قبل التوقف عند بعض النقاط المرتبطة باستحقاقات المرحلة القادمة التوقف عند نقطة مهمة وهي ان استقالة الغنوشي تزامنت مع ما تسرب من بين اروقة الاتحاد العام التونسي للشغل على لسان احد مسؤوليه في اشارة الى ان نهاية الغنوشي ستكون خلال عشرة ايام وقد اكتملت المدة يوم الاحد الذي شهد طفرة التظاهرات المطالبة بانسحاب الغنوشي...
أي مصير لقائد السبسي؟
اقل من ثلاث ساعات فصلت بين الاعلان عن استقالة الغنوشي وبين اعلان الرئيس المؤقت فؤاد المبزع تعيين السيد باجي قايد السبسي خلفا له فاي مصيرسيؤول اليه رئيس وزراء الحكومة الانتقالية وهو الذي لا يبدو ان تعيينه يحظى برضاء الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لم يرق لامينه العام ان يتم حسم الامر على عجل ودون استشارته في الامر؟سؤال مشروع ربما تتكفل الايام القادمة بالاجابة عنه لتؤكد او تنفي أي دور للاتحاد في الاطاحة بالغنوشي. طبعا قد يعتبر الكثيرون ان عامل السن ليس مهما بالنسبة لمن قضى عقودا طويلة في العمل الديبلوماسي والسياسي وان الخبرة مطلوبة في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التي تمر بها البلاد وما تحتاجه بالدرجة الاولى من ضرورة اعادة جسور الثقة. والاكيد ان سي الباجي لم يكن يدري حين ادلى بحديث الى قناة نسمة مؤكدا استعداده لتقديم التعاون المطلوب من اجل الوطن متى طلب منه ذلك انه سيطلب منه خلال شهر رئاسة الحكومة ,بما يمكن تفسيرهذا الخيار لسببين اما الاول فهو ان سي الباجي صديق درب الرئيس المؤقت فؤاد المبزع ومحل ثقته واما الثاني فهوبالتاكيد عنصر الوقت حيث يبدو ان الرئيس المؤقت لم يشا تاجيل الامر. والحقيقفة ان الذين سيهاجمون سي الباجي قايد السبسي الذي خلف رئيس الحكومة السابق بامكانهم ان يجدوا ما يكفي من الاسباب لانتقاده واعتباره خارج الاطار المطلوب هو الذي يعود الى السلطة وقد تجاوز السادسة والثمانين ليقود حكومة كانت ثورة الشباب وثورة الكرامة وراء ظهورها في بلد اكثر من نصفه شباب دون الخامسة والعشرين. ولعل المتتبع لسير الاحداث اول امس قد ادرك ان الاعتراض الاول على شخص القايد السبسي كان من جانب الشيخ راشد الغنوشي الذي صرح بان التعيين الجديد تم دون استشارة مع الاطراف المعنية مشددا على ان الرجل يعود الى جيل البايات ومن اتباع بورقيبة. لينضم اليه الاتحاد على لسان امينه العام الذي انتقد بدوره التعجل في اتخاذ القرار وعدم العودة الى الاتحاد بما يمكن ان يثير اكثر من نقطة استفهام فيما يتعلق بدور واهداف الاتحاد الذي كان دون شك قوة ميدانية فاعلة الى جانب بقية القوى الشعبية في انجاح الثورة وتحقيق الهدف التاريخي في الاطاحة بالنظام المخلوع. وربما ان الاوان ان يعود الاتحاد الى مراجعة اهدافه الانية والمستقبلية والضلوع بدوره النقابي وهو دور مهم جدا في المرحلة القادمة من اجل تصحيح مسار الاتحاد لا سيما ما يتعلق بمصداقيتة واستقلاليته لا سيما فيما يتعلق بدوره في تقوية شوكة النظام السابق واطلاق المناشدات من اجل بقائه في السلطة. خلال شهرين عرفت تونس ثلاثة رؤساء دولة بعد سقوط بن علي حيث تولى الغنوشي منصب الرئيس لمدة اربع وعشرين ساعة قبل ان تؤول الى السيد فؤاد المبزع ليتولى بعد ذلك رئاسة الحكومة الانتقالية الاولى ثم الثانية في انتظار البقية. اخيرا وليس اخرا لقد كان لثورة تونس وقعها في العالم فامتدت لاكثر من بلد عربي لانها كانت من الشعب والى الشعب فلم تنتظر تاشيرة او ترخيصا او اذنا او دعما من اي كان...