جدل كبير دار على مدى اليومين الماضيين في رحاب كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس حول الدستور والاستحقاقات الدستورية بعد الثورة وأهمية العدالة الدستورية.. وتداول على المصدح ثلة من الجامعيين والباحثين المختصين في القانون الدستوري والقانون المقارن.. وطالب بعضهم خلال ندوة دولية أقيمت ببادرة من وحدة البحث في القانون الدولي والقانون الدستوري التي يديرها الأستاذ رافع بن عاشور ببعث محكمة دستورية. وفي هذا السياق كان لنا لقاء مع الأستاذة نادية عكاشة الباحثة بهذه الكلية وقد شددت على أهمية القضاء الدستوري وبينت أن تونس عرفت تجربة المجلس الدستوري وكان هذا المجلس يراقب دستورية القوانين قبل عرضها على مجلس النواب للنقاش.. وهو دور هام وتطور بمرور الوقت لكن هذا المجلس لم يكن مستقلا وقراراته ليست قضائية.. نعم كانت معللة وملزمة لكنها لا ترتقي لنفس درجة قرارات القضاء الدستوري. وبينت أن الشعب التونسي مقبل حاليا على مرحلة هامة ومصيرية في تاريخه فهو سيقوم يوم 24 جويلية 2011 بانتخاب المجلس التأسيسي الذي سيعد دستورا للبلاد.. ولكن هذا الدستور سيكون منقوصا في صورة عدم وجود قضاء دستوري.. وقضاء دستوري مستقل بالأساس. ويتمثل دور القاضي الدستوري في تفعيل الحرية والمساواة والكرامة بما هي حقوق تضمن مواطنة الفرد وجعلها حقوقا مطبقة وفعلية وليست صورية. وتؤكد محدثتنا على أن القضاء الدستوري أساسي في ضمان احترام الدستور والحريات والحقوق الأساسية للمواطن. وبالبحث في تجارب البلدان الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية لاحظت الجامعية أن كل هذه الدول إن لم نقل جلها لها قضاء دستوري ومحاكم دستورية لكن الفرق بينها هو في طريقة العمل وفي التمثيل.. فهناك محاكم يقع انتخاب قضاتها من قبل السلطة التشريعية وهناك محاكم أخرى يقع تعيين قضاتها من قبل السلطة السياسية. ولاحظت أنه رغم تعيينهم من قبل السلطة السياسية فإن التجربة أثبتت أن هؤلاء القضاة ورغم أن السلطة السياسية هي التي عينتهم يمارسون مهامهم في استقلالية لأنهم يعرفون أنهم مراقبون من السلطة القضائية نفسها.. وتحتكم المحاكم الدستورية إلى الوفاق الوطني.. أي أنها لا تصدر أحكاما دون أن تكون هناك حولها موافقة الرأي العام.. ويكون هذا الوفاق مترجما في فقه القضاء الدستوري.. ويجب على القاضي في المحكمة الدستورية أن يلتزم التزاما أخلاقيا بأن يكون منسجما مع توجهات الرأي العام وليس مع ما تريده أطراف أخرى سياسية كانت أو حزبية.. وأكدت الأستاذة نادية عكاشة على ضرورة ان يحدث الدستور الجديد المرتقب سنّه قضاء دستوريا وقاضيا دستوريا ينظر في دستورية القوانين قبل ختمها من قبل السلطة وبعده.. كما يتعين ضمان حق المواطن في الطعن في دستورية القوانين. وشددت على أهمية أن ينص المجلس التأسيسي في الدستور المنتظر على محكمة دستورية وبينت أن قضاة هذه المحكمة يجب أن يكونوا منتخبين من قبل السلطة التشريعية لأن التجربة بينت أن الانتخاب أفضل من التعيين من قبل السلطة السياسية لأن الانتخاب يضفي عليهم مشروعية أكبر. وحتى إذا افترضنا أنهم قضاة معينون.. فينبغي أن يكون ذلك لدورة وحيدة غير قابلة للتجديد ضمانا لاستقلالية القضاء الدستوري وحياده.. وجرت العادة في البلدان الأوروبية أن يكون القاضي الدستوري مشهودا له بالنزاهة والاستقلالية وأن يكون عمادا من أعمدة القانون الدستوري. وعن سؤال حول ما إذا كانت كليات الحقوق التونسية قد خرجت مختصين في القضاء الدستوري للاعتماد عليهم في صورة بعث المحكمة الدستورية بينت الجامعية أن طلبة الحقوق يدرسون هذا الاختصاص في إطار مادة القانون المقارن كما يتعمق فيه طلبة المرحلة الثالثة في اختصاص القانون الدستوري لكنه لا يوجد اختصاص قائم بذاته حول القضاء الدستوري. سعيدة بوهلال
دعوة لحذف المنشور عدد 108 المانع للحجاب مداخلة طريفة قدمتها الجامعية هاجر قلديش استرعت انتباه المشاركين في ندوة الدستور والمواطنة والقضاء الدستوري تعرضت فيها لمنع الحجاب في تونس. فبعد دعوات الطاهر الحداد لتحرير المرأة ومواقف بورقيبة التي لا تقل تحررية وتجرئه على إزالة «سفساري» إحدى النساء في محاولة منه للقطع مع الرجعية.. جاء المنشور عدد 108 الشهير الصادر عن وزارة التربية بتاريخ 18 سبتمبر 1981 المتعلق بمنع «الزي الطائفي» على اعتبار أنه لا يتناسب مع تقاليد التونسيين ويناقض الحداثة. ورغم صدور هذا المنشور لم يكن هناك في البداية تعسف في تطبيقه ثم كانت هناك فترات تصر فيها السلطة على منعه وفترات أخرى تتساهل مع مرتدياته.. وعرفت المحكمة الادارية قضية شهيرة تظلمت فيها حميدة عرياني وقضية اخرى تظلمت فيها سميرة عثماني من قرار منعهما من ارتداء الحجاب وأصدرت سنة 2006 قرارا يقضي بأن المنشور عدد 108 هذا غير دستوري وبالتالي لا شرعية له. لكن هذه المحكمة تراجعت سنة 2008 عن موقفها وعندما نظرت في قضية مماثلة تقدمت بها سميرة عدالي قالت إن هذا المنشور قانوني وبرز منذ ذلك التاريخ عدم تناسق في مواقف المحكمة الإدارية في هذه المسألة ولم تشهد تونس تساهلا مع المحجبات إلا بعد قرار ابنة المخلوع ارتداء الحجاب. وبينت الجامعية أنه حان الوقت لحذف المنشور لأن الثورة قامت على الحريات لكنها نبهت إلى أن السماح بتغطية كامل الجسد يمكن أن يساهم في دخول إرهابيين إلى البلاد. بوهلال