الدكتور سعد الدين الزمرلي تشهد الساحة السياسية جدلا حول «الميثاق الجمهوري أو الدستوري» وتحتلّ المسألة الدستورية حاليا موقعا هاما و محوريّا في وسائل الإعلام ولدى المجتمع السّياسي و المدنيّ منذ ثورة 14 جانفي 2011 وتتميّز البلاد التونسية بتجربتها الدستورية وميثاقها منذ أواسط القرن التاّسع عشر و يمكن اعتبار «الميثاق الجمهوري أو المواطنة» دستوريا وريث عهد الأمان لسنة 1857 الذي احتوى على قيّم و مبادئ تحرّرية لبرالية من حرية ومساواة و ملكية و لهذه مرجعيّة مدنيّة مرتبطة بالحقوق الطبيعية وللقانون الوضعي والعقلي العلوية على حساب المفهوم الفقهي التّقليدي. و شهد النّظام انقلابا جوهريا قي جوهره و دعائمه خاصّة مع دستور 1861 السّياسي و القانوني و هو أوّل دستور في العالم العربيّ الإسلاميّ كتبه بعض الإصلاحيّين القلائل آنذاك محمود قبادو ابن أبي الضياف و خيرالدّين باشا يقرّ الدّستور توزيع السّلطة بين الباي والوزراء و المجلس الكبير ،و هذا المجلس هو مؤسّسة جديدة تتكوّن من ستّين60 مستشار دولة ، كما تتضمّن السلّطة مجلس وزراء ،بينما كان الوزراء من قبل يعتبرون في خدمة الباي وكان الرعايا المماليك بباردو أقروا لفائدتهم أي لأنفسهم نظاما استبداديّا تمييزيّا تجاه السّكّان في الأرياف، حيث كان هؤلاء خاضعين لنظام جبائيّ شديد القسوة ، أضيف له أداء خاصّ وهو المجبة، بينما يعفى منه سكّان المدن الكبيرة الحضريون ، و الموظفون و العسكريون و العلماء. لذلك فقد أدّى سوء التّصرّف الإداري و الجباية المبالغ فيها الى ثورة 1864 التي قادها علي بن غذاهم الذي أصبح يلقّب بباي الشعب.و قد نجح في توحيد صفوف الحضريين و الرّيفيين من أجل الدفاع عن حقوقهم، و هذا الأمر لم يسبق له مثيل في تاريخ تونس وعلى اثر هاته الثّورة فقد وقع تعليق العمل بالدّستور سنة 1864 المرحلة الثاّنية بعد الحرب العالمية الأولى في سنة 1919 قام جزء من حركة الشباب التونسي،منهم عبد العزيز الثعالبي و البشير صفر و صالح فرحات ووالدي الصادق الزمرلي أبي المؤرخ المعروف بتأسيس» الحزب التونسي» الذي أصبح يدعى» الحزب الحر الدستوري التونسي» أو بصفة موجزة «الدّستور» سنة 1920 أصبح لهذا المصطلح دلالة سياسية و رمز هام في تونس كما أصبح مرجعيا لكل الأحزاب السياسية التي ساهمت في الحركة الوطنية و في بناء الدولة الحديثة المستقلّة في 1933 كوّن الحبيب بورقيبة الحزب الحر الدستوري الجديد «Le Néo Destour » وغيّر اسمه «الحزب الاشتراكي الدستوري « ثم مع الرئيس المخلوع «التجمع الدستوري الديمقراطي» المرحلة الثالثة أعلن الحبيب بورقيبة في جوان 1959 عن دستور الجمهورية الأولى و هذه الجمهورية الأولى هي منبثقة عن مجلس تأسيسي ذي لون واحد أي أنه كان متكونا من الدستوريين دون غيرهم ، وهذا يعود الى سبب أن الانتخاب تم بطريقة الأغلبية في دورة واحدة، و قد تنافس فيه الحزب الدستوري والحزب الشيوعي فقط إلا أن التنقيحات العديدة التي أدخلت على الدستور ، خدمة لمصلحة الرئيس و حزبه ، غيرت بصفة ملحوظة مفهومه الأصلي و روحه ،خاصة ،بالتوجه نحو إرساء الرئاسة مدى الحياة ،بإلغاء تحديد الفترة الانتخابية الرئاسية و كذلك بالترفيع في سن المترشح لرئاسة الجمهورية. أما فيما يخصّ دور الرابطة التونسية لحقوق الإنسان فإنها ساهمت إلى جانب المنظمات و الأحزاب السّياسية في التربية على الديمقراطية و حقوق الإنسان و في فضح كل مظاهر الفساد السياسي والمطالبة بإرساء الحرّيات و دولة القانون و المؤسسات ويجب أن نذكر الفترة حين تأسست في 7 ماي 1977 الرابطة التونسية لحقوق الإنسان كمنظمة من المجتمع المدني كمنظمة غير حكومية مستقلّة الأولى في العالم العربي و الإفريقي كانت فترة تاريخية استثنائية تميزت بقمع حرية التعبير و هيمنة الحزب الحاكم على الدولة و منع التعددية السياسية و كانت هذه المنظمة فضاء لكل التيّارات السياسية للتعبير عن أطروحاتهم و مواقفهم و مقارباتهم للوضع السياسي في البلاد الساحة المنفردة لهذا الغرض و تمكّنت من تعايش مختلف أطراف السّياسيين على قاعدة قاسم مشترك و هي قيم حقوق الإنسان والديمقراطية و الحداثة السياسية. و قامت هذه المنظّمة العتيدة التي تعتبر من أهمّ المكاسب الوطنية لتونس الحديثة بالعديد من النظالات أذكر منها: -1 تكوين لجنة تقصّي الحقائق على إثر انتفاضة الخبز جانفي 1984 و أبرزت هذه اللجنة أهمية تجاوزات السلطة و مسؤوليتها في قمع التظاهرات السلمية المطالبة بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية وبالكرامة الوطنية. -2 ميثاق الرابطة سنة 1985 الذي ركّز على مجلة الأحوال الشخصية و على المكاسب المدنية و حريّة التّعبير و القول و المعتقد -3 التّنديد في 1987 بظاهرة التّعذيب والوفيات المشبوهة و يعتبر أول نداء ضدّ هذه الظاهرة للحرمة الجسدية و المعنوية للإنسان إذا بتكوينها و بنضالها مثلت و تمثل الرابطة تحدّيا contre pouvoir و سلطة مضادة للطبقة السياسية المسؤولة في الحكم آنذاك هذه بصفة موجزة خلاصة قصيرة جدا لنضالنا ومساهمتنا طيلة هذه الفترة في هذه المنظمة العتيدة و اليوم و بعد اندلاع الثورة المباركة ثورة الحرية والكرامة فا ني أواصل النضال من أجل نفس المبادئ حيث أني أ ترأس رئاسة شرفية للجمعية التونسية للمواطنة الفاعلة و هي جمعية تهدف إلى تنمية الحسّ المدني و روح المواطنة والثقافة ألجمعياتية و روح التطوع لدى الشباب إيمانا منّا بأهميّة المشاركة الفاعلة للشباب في الحياة العامة و السياسية . و نحن نؤمن أن للعمل ألجمعياتي في هذه الفترة الانتقالية نحو الديمقراطية دورا هاما جدا لذلك فانه من الضروري تجنيد كل القوى التقدمية في إطار جبهة استعدادا للموعد الانتخابي المقبل حتى نضمن الحفاظ على المكاسب الحداثية التي يتميز بها مجتمعنا أثار الفصل 15 من مشروع المرسوم جدلا كبيرا في الساحة السياسية بين الممنوعين من الترشح إلى المجلس التأسيسي لأنهم لا ينسجمون مع أهداف الثورة أعتقد أن مبدأ استبعاد التجمعيين و المسؤولين في الحكومة منذ 23 سنة مبالغ فيه لأنه يتجاهل إعلان 7 نوفمبر عام 1987 العفو التشريعي العام إلغاء المحاكم الاستثنائية ومحكمة أمن الدولة اعتماد قانون الإيقاف التحفظي الذي طالما طالبت به الرابطة منذ1977 التصديق على المعاهدة الدولية ضدّ التعذيب دون أي تحفظ والميثاق الوطني الموقّع من كل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني كل هذه الإجراءات تميّزت بها سنوات 1990- 1988. -لأنّ العديد من المسؤولين في المناصب الحكومية مستقلون غير منتمين للتجمع وكانوا عاملين في خدمة الدولة التونسية -لأنّ منطق الإقصاء الشامل قد يصبح عقابا جماعيّا ولا يفرّق بين المنخرط الحزبي الصامت و بين من يأخذ القرار و من يتورّط في قضايا فساد سياسي أو مالي ولو كانت اللجنة اتّخذت مثل هذا الخيار لكان خيارها صائبا و إيمانا منا بفلسفة حقوق الإنسان نعتقد ضرورة تجتب المناورات و المزايدات السياسية و قطع الاستبداد و الدكتاتورية و تجاوز عقلية الإقصاء و بناء تونس الديمقراطية و الحداثة.