الميثاق الجمهوري.. الدعوة الى عدم استغلال المساجد في الدعاية الحزبية.. وضرورة تقنيين مصادر التمويل والاحتكام لضوابط معينة في تعامل الأحزاب في ما بينها على أساس تكافؤ الفرص والمعاملة على قدم المساواة. هذا ما طالبت به الأحزاب على خلفية عدم التكافؤ بينها في "التحريض الانتخابي" الذي انطلق قبل الأوان واستراتيجيا الانتشار وخاصة حركة النهضة التي تنظمت وتهيكلت قبل جل الأحزاب بما فيها التي حصلت على التأشيرة قبلها بفترة وأيضا على خلفية الامكانيات المادية المهولة للنهضة التي سهلت لها الانطلاق في الحملة الانتخابية على أن ذلك يدفع الى طرح محوري، هو لماذا تخشى جل الأحزاب (إن لم نقل كلها) حركة النهضة؟... وهل مَرَدُّ هذه الخشية جماهيرية «النهضة» أم امكانياتها المادية، التي ظلت هي الأخرى محل استفهام؟ «الأسبوعي» طرحت السؤال على بعض ممثلي الأحزاب الذين أكدوا أن المؤاخذات على حركة النهضة لا تعني الخشية أو الاقصاء. الدين ليس "قطاع خاص" "نحن لا نخشى النهضة مطلقا بل ننازلها انتخابيا،، هكذا بدأ شكري بلعيد رئيس حركة الوطنيين الديمقراطيين الذي أكد أيضا أنه طالب بمناظرة مع راشد الغنوشي في أي ملف ليرى ماذا يمكن ان يقدم خارج الاطار الفقهي اذ يقول: "قلقنا من حركة النهضة مصدره التمويلات الغريبة، وقلقنا الثاني هو أن الحركة تعمل على إحتكار الاسلام لنفسها رغم أنه عنصر مشترك بين كل التونسيّين، إذ لا يمكن للدين أن يتحول لقطاع خاص، بالاضافة الى محاولة السطو على المساجد لتحويلها الى منابر للأحزاب والدعاية السياسية واللعب على العواطف للتغطية على البرنامج الثقافي والاجتماعي والاقتصادي فهي حركة لا برنامج لها.." صندوق الاقتراع هو الحاكم أما البشير الصيد منسق حركة الشعب الوحدوية التقدمية فهو لا يرى نفسه في هذه «الخشية» إذ يقول: «لا نخشى أحدا ولا ندخل في هذه الخشية ونؤمن بكل حركة تونسية وتوجه يعبر عن نفسه في فضاء حر وصندوق الاقتراع هو الحاكم"... أما من حيث ضعف امكانيات جل الأحزاب (بما في ذلك حركته) مقارنة بالنهضة فيقول الأستاذ الصيد: «مهما كان الأمر فالجميع أحرار ونحن نؤمن بالتنافس الديمقراطي الشعبي الانتخابي".. برنامج فاعل حزب الوفاق اندمج مع الحزب الجمهوري في انتظار التحاق حزب ثالث بهما وذلك في اطار توحيد الجهود والامكانيات لذلك قال مصطفى صاحب الطابع أحد منسقي حزب الوفاق الجمهوري عند الاجابة عن سؤال «الأسبوعي» فور امضاء اتفاق الاندماج ".. نحن لا نخشى حركة النهضة بل ننشط ونتحرّك وما تحالفنا مع أحزاب أخرى إلا تأكيد لذلك.. وأعتقد أن حزبنا لا يخاف إلا من "نفسه" أي مصيرنا مرتبط بجدوى عملنا لذا علينا تكوين قاعدة جماهيرية وتقديم برنامج فاعل، وبالتالي الخشية لا تهمنا ونحترم الجميع.." الحجم الطبيعي! منير بعطور رئيس حزب الأحرار التونسي يشترك مع جل الأحزاب في عدم الموافقة على مصطلح الخشية ويبرّر ذلك بالقول «.. الخشية من النهضة غير موجودة فبروز هذه الحركة خلال الفترة السابقة ظاهرة ناتجة عن قمع بن علي فأخذت حجما أكبر من حجمها ولكنها ستعود الى حجمها الطبيعي» وأما كيف ذلك؟ فيقول بعطور أيضا «الشعب ذكي وواع ولا يمكن ان يسقط في الفخ حيث كشف الخطاب المزدوج لحركة النهضة واستعمال التقنية لتبليغ صوتها والحال أنها تمثل خطرا على الحداثة ومن شأن ذلك أن يعود بالمجتمع قرونا الى الوراء". لا خوف من الردّة اذا؟ أما مهدي الطباخ الناطق الرسمي لحركة الوحدة الشعبية فيقول "من المؤكّد أنّ لحركة النهضة ماض نضالي، عريق يمتدّ الى بداية الثمانينات، وهي تنظيم سياسي عانى مناضلوها القمع والسجون والمنفى، غير أنّه من غير المعقول الحديث عن خوف أو رهبة من تنظيم سياسي مهما كان حجمه أو رصيده النضالي. اننا في حركة الوحدة الشعبية، وهي التي تأسست سنة 73 من قبل الأستاذ أحمد بن صالح، نرى أنّ المشهد السياسي التونسي، لا يمكن أن يصل الى حالة من النضج والتوازن الا اذا ما رفعت بعض الأحكام المسبّقة وبعض الهواجس والمخاوف التي تسيطر على عقول بعض السّاسة وجزء هام من الرأي العام. اننا نرى أنّه لا خوف من الردّة أو الرجوع في مكاسب الحداثة أو قيم الجمهورية، اذا ما وُضعت أُسس قيام جمهورية ثانية، تصون من خلال دستورها هذه المبادئ وتقطع الطريق أمام كل من يريد العودة بالبلاد الى الخلف وادخالها دهاليز القرون الغابرة. كما أنّنا في حركة الوحدة الشعبية، نرفض كلّ ما من شأنه أن يمثّل تدخّلا أجنبيّا في شؤوننا، سواء كان ذلك من خلال ما نشاهده من اتفاقات ضبابية المحتوى، تبرمها الحكومة المؤقتة مع أطراف أجنبية، أو من خلال دعم معنوي ومادي، غير مباشر، تقدّمه بعض الجهات الخارجية لبعض الأحزاب السياسية، التي لا نشكّك في وطنيّتها ورغبتها في النهوض بواقعنا طبقا لرؤى وخلفيّة قد نختلف معها في الكثير من الأحيان. وبالتالي، فان مسألة تمويل الأحزاب ومسك حساباتها، يجب أن تكون تحت رقابة دائرة المحاسبات، وأن تخضع للمراقبة المستمرة والتدقيق الدائم، وهذا التمشي، يصبّ حسب رأينا، في خانة الحفاظ على الأمانة الوطنية، والاستجابة لروح الثورة التي انطلقت من رحم نضالات تونسية أصيلة نابعة من عمق البلاد التونسية. انّنا نرى أنّ لوسائل الاعلام، ومؤسسات سبر الآراء، في انتظار صندوق الاقتراع، دورا في ابراز الحجم الحقيقي للقوى السياسية، وانّ لها دورا حسّاسا في هذه المرحلة، حتى يكون الرأي العام على بيّنة من مدى انتشار هذه التيارات جماهيريا، وأن يصبح الرأي العام هو صاحب القرار واليه تمتثل الأحزاب، ومنه تخاف. عبد الوهاب الحاج علي