مرة أخرى تجد الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة نفسها في وضعية صعبة للغاية نتيجة اختلاف المواقف وتعدد الآراء بشأن عدة مسائل مطروحة عليها وخاصة منها ما يتعلق بموقف الهيئة من المقترح الجديد للفصل 15 من المرسوم الانتخابي. ورغم الجدل والنقاش الذي لا ينتهي وبعد أخذ ورد، فشل مجلس الهيئة في جلسة عاصفة يوم أمس بمقر مجلس المستشارين بباردو في الخروج بموقف توافقي او على الأقل يحظى بموافقة أغلبية اعضاء الهيئة بخصوص اصدار بيان يعبر عن موقفها من الفصل 15 في صيغته الجديدة التي تم التوصل إليها في جلسة جمعت مؤخرا بين مكتب الهيئة والوزير الأول. وتكمن صعوبة توصل الهيئة إلى اصدار بيان توافقي بسبب اصرار عدد من الأعضاء ومنهم ممثلي الجهات، وممثلي بعض الأحزاب على غرار الوطنيين الديمقراطيين، وحزب الطليعة، وبعض المستقلين على رفض التصويت على بيان يتضمن تقديم الهيئة ل"مقترح" قائمات تتضمن من يحجر عليهم الترشح للتأسيسي من اعضاء الحكومة ومسؤولي التجمع المنحل والمناشدين، واصروا عوضا عن ذلك ان تتولى الهيئة "تقديم" قائمات تقبل بها الحكومة دون تعديل او حذف معتبرين ان للهيئة صلاحيات تقريرية وليست استشارية. لكن السيد عياض بن عاشور كان له موقف مغاير وباءت محاولته توضيح أن دور الهيئة استشاري وليس تقريريا حسب ما ينص عليها المرسوم المنظم لها، وبالتالي فهي تقدم مقترحها للحكومة، ورغم محاولته المتكررة تهدئة خواطر المحتجين الغاضبين قام هؤلاء بالانسحاب من الجلسة حتى لا يكتمل النصاب القانوني وبالتالي افشال التصويت على البيان في صيغة تتضمن تقديم الهيئة مقترح قائمات تتضمن مسؤولين في هياكل التجمع المنحل في عهد بن علي. ويعود اصرار مجموعة الأعضاء المحتجين على اصدار بيان بخصوص الفصل 15 من المرسوم الانتخابي المثير للجدل بسبب تخوفهم من تعمد الحكومة حذف او تعديل القائمات المزمع احداثها من قبل الهيئة، وطالبوا مقابل ذلك بضمانات حتى لا تلتف الحكومة على الفصل 15 مرة أخرى مثل ما قامت به في الفصل 8 من مرسوم الهيئة المستقلة للانتخابات. وسبق مناقشة البيان جدل بشأن امكانية اصداره وجدواه من عدمه، ولم يتم الفصل فيه الا بعد اقتراح رئيس الهيئة ان يتم التصويت بنعم او لا على اصدار بيان من الهيئة على موقفها من الصياغة الجديدة للفصل 15 المثير للجدل. وتمت الموافقة على اصدار بيان عبر الاقتراع السري، بموافقة 70 عضوا ورفض 43 عضوا وشكلت لجنة للغرض لصياغة بيان بخصوص الفصل 15 كما تم اقتراحه من الحكومة. لكن مضمون البيان وطريقة صياغته خلقا جدلا شديدا بين الأعضاء بين مؤيد ورافض وبين مطالب بتنقيحه، ومن يرغب في اضافة بعض المفردات او حذف أخرى، ومن يريد مناقشة مسائل اخرى تبدو في رأيه اكثر أهمية على غرار شكري بلعيد الذي دخل في جدال مع رئيس الهيئة وقال ان البيان لا يلزمه وانه كان الأحرى بالهيئة مناقشة ما يجري في البلاد من مظاهرات منددة بالحكومة الانتقالية، على حد قوله، وجدد مطالبته بالتحقيق في احداث سليانة الأخيرة وفي الانفلات الأمني في السجون.. واقترح بعض الأعضاء مثل السيد منصف اليعقوبي تضمين البيان أن الهيئة تقدم القائمة إلى الحكومة التي تصادق عليها، ولا تقدم "مقترحا" للقائمة التي تضم اسماء المحجر عليهم الترشح للتاسيسي من مسؤولي التجمع المنحل. فيما اقترحت حياة حمدي تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة والهيئة لاقتراح القائمات المعنية. وفي النهاية وبعد 5 ساعات تقريبا من النقاش المستمر تم اقتراح بيان عدل أكثر من مرة تولى تلاوته السيد محمد القوماني. وهذا نصه: "ان الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة في ظل الظروف الخطيرة التي تمر بها البلاد من انفلات امني وتوتر اجتماعي وتهديد خارجي يهدد امنها واسقراراها وحرصا منها على الايفاء بالتزامها بالاستحقاق الانتخابي في موعده المحدد يوم 24 جويلية تعبر عن انشغالها بالوضع العام بالبلاد وتحمل الحكومة المسؤولية كاملة ازاء ما يجري من انفلات أمني وتجاوزات على غرار ما وقع في بعض الولايات. تدعم المقترح الذي توصل اليه مكتب الهيئة في لقائه مع الوزير الأول بخصوص الفصل 15 من المرسوم الانتخابي والذي ينص على: "منع ترشح اعضاء الحكومة باستثناء من لم ينتم للتجمع، ومنع ترشح المناشدين للرئيس المخلوع الترشح لسنة 2014، ومن تحمل مسؤولية صلب هياكل التجمع في عهد الرئيس المخلوع. وتضبط تحديد المسؤوليات بأمر باقتراح من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة." ... لكن هذه الصياغة وعلى خلفية تضمن البيان المقترح عبارة "اقتراح الهيئة" وليس"تقديم الهيئة" لقائمات، جوبهت الصياغة برفض شديد خاصة من ممثلي الجهات وبعض الأحزاب وتعالت الأصوات والنقاشات اكثر من مرة وفي النهاية تمت قراءة البيان في صيغته تلك دون ان يتم التصويت عليه بأغلبية مطلوبة بعد رفض مجموعة الرافضين البقاء داخل الجلسة وتعمد انسحابهم تعبيرا عن رفضهم للبيان المقترح.