آسيا العتروس المشاهد الدموية المؤلمة التي عاشت على وقعها مصر الثورة خلال الساعات القليلة الماضية نتيجة عودة المشاحنات الطائفية بين مجموعة من المسيحيين والسلفيين من شأنها أن تؤكد ان الديموقراطية لا تتحقق بمجرد سقوط رموزالانظمة الاستبدادية وأن الطريق الى المستقبل بعيدا عن الظلم والاستبداد والحكم المتسلط لن يتحقق على طبق من ذهب. ولئن شكلت الوقفة الاحتجاجية التي اتخذها شباب الثورة رافعا شعار "مصرلكل المصريين" ما يمكن اعتباره خطوة مهمة ولكنها قد لا تعد العلاج المطلوب لازمة صحية تنخر المجتمع المصري وتهدد المشهد السياسي برمته فيما تحيى الثورة المصرية مائة يوم على انجازها .والحقيقة أن ما حدث في مصر من شأنه أن يشكل صرخة فزع حقيقية لعدة اعتبارات. اذ يكفي أن نتطلع الى معاناة شعب العراق على مدى السنوات التي تلت الاحتلال مع الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة أو غيرها أيضا من الاقليات العرقية التي تشكل النسيج الاجتماعي العراقي لندرك بأن الصراعات الطائفية اذا ما تفجرت فانها ستكون بمثابة صندوق متفجرات لن يهدأ قبل أن يأتي على ما حوله .ومن هذا المنطلق فان عودة المشاحنات بين الاقباط والمسلمين في مصر في هذه المرحلة ليست بالحدث العابر الذي يمكن تجاهله أو الاستهانة به .اذ وبالاضافة الى ما خلفته تلك الاحداث من ضحايا وخسائر فانها توشك أن تتحول الى فتنة طائفية خطيرة على مسيرة الثورة الشعبية التي غيرت وجه مصر وأخرجت شعب مصر من نظام حكم الشخص الواحد المتفرد الى نظام يختاره الشعب. «مصر في خطر» «نار امبابة تحرق قلب مصر» التطرف يخرق الثورة «تلك بعض من عناوين الصحف المصرية التي انتفضت ضد الاحداث المأساوية التي اهتز لها الشارع المصري في أعقاب أزمة شخصية سرعان ما تحولت الى قضية سياسية واجتماعية ودينية تهدد البلاد والعباد وهي بالتأكيد تلخص المشهد الخطير في مصر ومن قبلها تونس التي وان لم تعرف انقسامات طائفية أو عرقية فانها قد تجد نفسها في مواجهة العروشية أو الجهوية أو القبلية التي باتت تجد لها من يحركها ويدفع بها الى سطح الاحداث السياسية تماما كما هو الحال في الدول العربية التي تتمسك بمواصلة انتفاضتها ضد القمع والاستبداد والتي تواجه محاولات خطيرة مضادة تسعى لتشويه تحركاتها ونضالها مع موسم ربيع الحرية في العالم العربي على أنها حملة استنزاف أومجرد تمرد مسلح ضد السلطة... كاميليا شحاتة امرأة مصرية ولا شيء من شأنه أن يدل انطلاقا من الاسم عن انتمائها الديني تحولت فجأة الى موضوع جدل ساخن ولكنه سرعان ما اتخذ أبعادا أخرى وتحول الى أزمة خانقة وضعت المجلس العسكري في مصرأمام مزيد الاحراجات والضغوطات التي حولت الانظارعن القضايا المصيرية للشعب المصري بعد أن ربطت مصيره ومستقبله باشاعة سرعان ما انتشرت انتشار النار في الهشيم لتدفع مصر الى حافة حرب أهلية كانت تبدو وشيكة .وبالعودة الى أطوار قضية الحال فانه يبدو أن امرأة قبطية كانت أعلنت اسلامها وطلبت الانفصال عن زوجها القس عادت لتنفي ما تم ترويجه بشأنها وتكذب اقدامها على تغيير ديانتها وذلك بعد أن راجت أنباء بأن المرأة المعنية تعرضت لضغوطات من الكنسية وأنه تم اختطافها وحبسها في دير للمسيحيين. الا أن ما حدث لاحقا جعل الامور تتطور في اتجاه لا يمكن أن يخدم الشارع المصري والثورة المصرية في شيء وفيما كانت المرأة المعنية تصرح لاحدى الفضائيات بأنها لا تزال على دينها وأنها لا تنوي تغيير عقيدتها كان أحد المواقع الالكترونية ينشر أن المرأة استنجدت بالمجلس العسكري لتطلب حمايتها بعد اعتناقها الاسلام بما أثار حفيظة بعض السلفيين الذين هبوا لنجدة كاميليا..وبعيدا عن السقوط في متاهات البحث عن تفاصيل الازمة التي أدت الى موت واصابة العشرات في مواجهات انتقامية دون اعتبار ما دمر وما هدم من أحياء سكنية فان الحقيقة أن تداعيات ما حدث لا تتوقف عند حدود مصر كما أن الاصرار على تفسير ما حدث بأن أياد خفية تحرك النعرات الطائفية بمثابة الوقوف عند الاية «ويل للمصلين».بما يعني أن الامر أخطر وأعمق من ذلك وأن تداعياتها توشك أن تعبث بالوفاق الاجتماعي الذي تحقق خلال الثورة مع اجماع مختلف مكونات المجتمع المصري على وضع حد للدكتاتورية وقد شاهد العالم التناغم الحاصل بين أبناء الشعب المصري وهم يتصدون بصدورعارية لكل أنواع القمع البوليسي ولقوافل جمال التي استخدمت لترهيب المتظاهرين. يومها اجتمع المصريون مسلمين ومسيحيين تحت راية واحدة ضد الظلم ومن أجل الحرية والعدالة والكرامة التي شكلت من قبل شعار ثورة تونس... وسواء كانت كاميليا ومن قبلها عبيرمسلمة أو مسيحية فانها تبقى مصرية الهوية أولا وأخيرا ما من شانه ان يجعلها تفخر بانتمائها وجذورها وأصولها . مصر اليوم كما تونس تعيش مرحلة اختبار عسير ولكنه ليس بالمستحيل.. اختبار لا خيار معه سوى كسب الرهان من أجل مستقبل لا يقبل التراجع أو التنازل عما التزمت الشعوب بتحقيقه يوم ثارت على الاصنام والحكام...