برغم كلّ هذه الطّبول الّتي تقرع للايحاء - امّا عن قصد أو عن غير قصد - بأنّ تونس ما بعد ثورة 14 جانفي قد أضحت على "أبواب المجهول" وأنّها ما انفكّت تشهد منذ انتصار الثّورة - وفي فترات مختلفة ومتقطّّعة - أوضاعا أمنيّة واجتماعيّة متوتّرة أحيانا وعنيفة أحيانا أخرى ... وبرغم كلّ هذه الدّسائس الّتي تحاك فعلا - هنا وهناك - والّتي نرى ونلمس - من حين لآخر - "مفعولها" التّأزيمي على أرض الواقع امّا من خلال بعض التّحرّكات المنفلتة على السّاحة الاجتماعيّة والّتي توصف بأنّها "مهنيّة" و"قطاعيّة" أو في شكل محاولات اعتداء ارهابيّة سافرة على حرمة ترابنا الوطني وسلامة وأمن مواطنينا وهي محاولات تكاد لفرط "غموضها" الواضح تكشف عن هويّة الجهات الخارجيّة الاقليميّة الّتي تقف وراءها .. برغم كلّ هذا وذاك - وبعيدا عن أيّ شكل من أشكال التّفاؤل السّاذج - فانّه يمكن القول أيضا أنّ تونس ما بعد ثورة 14 جانفي هي - قطعا - تونس القويّة والمتماسكة ... القويّة بنبل أهداف ثورة شعبها على الدّيكتاتوريّة والفساد ... والمتماسكة بفضل صلابة عود وعراقة مؤسّساتها الدّستوريّة - تاريخيّا - فضلا عن وطنيّة وشجاعة مؤسّستها العسكريّة الّتي برهنت عمليّا خلال "أيّام" الثّورة أنّها ستكون ذلك الظّهير القويّ والمخلص للوطن ولكلّ خيار سياسي وطني يتوافق عليه التّونسيّون في دولة ما بعد الثّورة ... نقول هذا الكلام - لا من باب رفع المعنويّات وشحذ الهمم - بل من منطلق التّذكير بأهميّة وضرورة المضيّ قدما بعمليّة الانتقال الدّيمقراطي وتحقيق أهداف الثّورة وتركيز مؤسّسات الدّولة التّونسيّة المدنيّة الجديدة والدّيمقراطيّة ، دولة العدالة والحريّات والقانون والمؤسّسات في أقرب الآجال الممكنة - بل وفي الآجال المقرّرة سلفا بالنّسبة لبعض المواعيد والاستحقاقات مثلما هو الشّأن لانتخابات المجلس الوطني التّأسيسي - ... انّ اجتماع كلّ القوى الوطنيّة والأحزاب السّياسيّة على صعيد واحد وعلى قلب رجل واحد من أجل تحقيق هذا الهدف الأسمى هو السّبيل الى رفع التّحدّيات وحماية المكاسب والوفاء لدماء الشّهداء الأبرار والتّصدّي عمليّا لكلّ محاولات الاساءة لتونس ( وطنا وشعبا وثورة ) ... أمّا الحسابات الحزبيّة الضيّقة - سواء في السرّ أو العلن - والتّعصّب السّياسي الأعمى والانتصار البغيض والأحمق للايديولوجيا على حساب الانتصار لمصلحة الوطن العليا ممثّلة - أساسا وخاصّة - في سلامة حرمته التّرابيّة واستقلاليّة قراره السّياسي وفاعليّة مؤسّساته الدّستوريّة ومصلحة الشّعب ومستقبل الأجيال - فانّها تعدّ في ذاتها - وقد لا نبالغ - شكلا من أشكال "التّآمر" على هذه الثّورة المجيدة بل وخيانة لدماء شهدائها الأبرار ...