لم يعد التجول وسط العاصمة وفي شوارعها الفرعية أمرا يسيرا نظرا لحجم الانتصاب الفوضوي والباعة المتجولين الذين حولوا جميع الأرصفة ودون استثناء أماكن لعرض سلعهم. ولعل الملفت للانتباه تزايد حجم هذه السلع وتنوعها يوما بعد يوم بعد الثورة خلافا لما اعتقده البعض.فكثيرون ظنوا أن حجم ظاهرة التجارة الموازية سيتقلص بعد سقوط أحد أهم معاقلها وهم "الطرابلسية". لكن تواصل دخول السلع الآسياوية بل وتنوعها وتسجيل دخول سلع جديدة لم تكن تراها سابقا يطرح اليوم أكثر من تساؤل.أين وزارة التجارة ومصالح الديوانة من كل هذا؟وإن كانت عاجزة أو صامتة في مواجهة خطر التجارة الموازية على الاقتصاد الوطني وعلى صحة المستهلك...فهل نحن اليوم أمام ظهور "طرابلسية" جدد؟ مخاوف من متنفذين جدد وتطرح هذه الأسئلة أكثر لدى العارفين بمنظومة التجارة الموازية وطرق عملها السابقة المبنية على منظومة كاملة من الفساد أركانها رشاوى بالملايين لادخال السلع الممنوعة وخطاب معلن من الإدارة والدوائر الرسمية فيه حديث عن اجراءات للتصدي لظاهرة التجارة الموازية التي تضر بالصناعة الوطنية ومن وراء الستار تسهيلات لشبكات التوريد غير الشرعية من أصحاب النفوذ للإغراق السوق بالسلع والزيادة في ثرواتهم. ويتخوف البعض من تواصل هذا التمشي اليوم لا سيما في ظل الانفلات الأمنى والأوضاع غير المستقرة التي قد تجعل بقايا من أصحاب النفوذ أو متنفذين جدد يستغلون الظرف لإيجاد مصادر ثراء سريعة على حساب المصلحة الوطنية لا سيما وأن الأرضية الحالية ملائمة لازدهار نشاط التجارة الموازية بسبب الاقبال عليها من طرف المستهلك وكذلك من طرف الشباب الذي يتخذها مصدر رزق لمواجهة شبح البطالة المتزايد بعد أحداث الثورة. تنامي الظاهرة بعد الثورة وتجدر الإشارة إلى أن مصادر من المعهد الوطني للاستهلاك أكدت مؤخرا أنه من خلال متابعتها للسلوك الاستهلاكي للتونسي بعد الثورة تبين تنامي ظاهرة الاقبال على المنتوجات المعروضة ضمن مسالك التجارة الموازية نظرا لأسعارها المنخفضة ، الأمر الذي جعل المعهد يفكر في برنامج عمل يتماشى مع الوضع الاستهلاكي الجديد وذلك عبر القيام بحملة لدعوة المستهلك إلى الاقبال على المنتوجات المحلية ومقاطعة بضائع التجارة الموازية نظرا لتأثيراتها السلبية على الصحية وعلى الاقتصاد الوطني ومنافسة البضائع والمنتوجات المحلية بطرق غير شرعية. من جهته صرح وزير التجارة والسياحة في الحكومة المؤقتة أن إقامة مناطق حرة في عدد من جهات الجمهورية من شأنه التقليص من حجم ظاهرة التجارة الموازية التي تلحق أضرارا بالاقتصاد الوطني . وبين أن هذا التمشي يهدف إلى إدماج الناشطين في ميدان التجارة الموازية في المسار التجاري القانوني وإعادة هيكلة القطاع الذي يوفر موارد رزق لقرابة 20 ألف شخص. كما يرمي إلى القضاء على السلع المقلدة خاصة الخطرة منها على غرار مواد التجميل والمعدات الكهرومنزلية ولعب الأطفال والتي يجب أن يتم إخضاعها إلى اختبارات الجودة واحترام المواصفات. فلماذا لا تسرع الوزارة في اجراءات عملية لتنفيذ هذا البرنامج يسوي وضعية العاملين في القطاع ويحد من مخاطر التجارة الموازية على المستهلك والاقتصاد ولعل الأهم من ذلك أنه سيقطع الطريق أمام متنفذين جدد قد يستغلون ملف التجارة الموازية لتحقيق مصالح شخصية.