بعد نجاح العروض الأولية لفيلمه "صور متواترة" وإقبال المتفرج العادي والمختص على قدر سواء للاطلاع على مضمونه سعى المخرج الحبيب المستيري إلى التجول به عبر الولايات بداية من اليوم وانطلاقا من ولاية مدنين إيمانا منه بان النجاح يأتي من الداخل كما من العاصمة وبحق كل أبناء تونس في الاطلاع على تاريخ سينما التأسيس سينما الهواية التقيناه وأجرينا معه هذا الحوار: أي فضل لهذه الثورة عليك وعلى زملائك وعلى السينما عامة هل أنت متفائل خيرا بما ستؤول له الأوضاع ولماذا؟ - في اعتقادي أفضال الثورة على السينما في بلادنا ليست آنية لكنها كبيرة حيث أنها ستخلصنا من هاجس التهميش الذي سيطر على قطاع السينما و السمعي البصري وحوّل الفعل السينمائي من حالة إبداع إلى محاولة للارتزاق. كما أنها ستفتح المجال أمام السينمائيين لمعالجة كل قضايا المجتمع دون خوف أو ريبة ، تصوروا كم من قصة هامة وعميقة ومؤثرة تحيط بنا ونحن لم نكن قادرين على البوح بها، انظروا حولكم في الشارع في الحافلة في الحانة في المدرسة الكم الهائل من الشخصيات والمواقف الدرامية التي يمكن أن نصوغها، لقد غيبت سياسة الحزب الواحد والانغلاق السياسي صورة التونسي الحقيقة عن السينما بفعل تضييق إمكانيات تمويل وانجاز الشريط التونسي، فميزانية الدولة السنوية المرصودة للسينما لا تضاهي مصاريف مقابلة كرة قدم وهو ما جعل السينمائيين يتفننون في مراوغة العراقيل حتى لا يتوقف العمل السينمائي. السينما التونسية تكونت من روح الهواية الخلاّقة كيف تقبل أهل المهنة فيلمك هذا الذي تجرأت فيه على الكثيرين وحاولت ان تثبت به حق سينما الهواية في ما وصلت إليه السينما التونسية؟ - من خلال هذا الشريط أردت أن أصحح بعض المفاهيم حول بدايات السينما التونسية وهي أن السينما التونسية تكونت من روح الهواية الخلاقة وانه لو لا نوادي السينمائيين الهواة لما كان لنا سينمائيون من القيروان أو صفاقس أو سوسة أو الكاف. كما أردت أن أركز على مسألة هامة وهي أن سينما الهواة هي مدرسة كبيرة ومهمة ومن الخطإ اعتبار من جاء منها اقل خبرة من غيره، قد يكون اقل معرفة نظرية لكنه ليس اقل خبرة لسبب بسيط هو ان السينمائي الهاوي بإمكانه انجاز عدد كبير من الأفلام في حين يتمكن المحترف من انجاز شريط كل سنتين في أحسن الأحوال، ولا يجب أن ننسى أن السينما في بلادنا لم ترتق إلى مرحلة التحول إلى صناعة وهي لازالت تحافظ على الطابع الحرفي والسينمائي الهاوي.. هو حرفي من الدرجة الأولى لأنه عليه أن يتدبر شؤون انجاز شريطة من أوله إلى آخره ، من جهة أخرى كان تقبل السينمائيين للشريط جيدا ومشجعا وقد تأثرت كثيرا لترحابهم به فلقد كشف الشريط أن في صدر الكثير من السينمائيين التونسيين حنينا إلى ذاك الحب اللامتناهي للصورة الحرة والمعبرة. لقد كان الشريط بمثابة البوم صور للعائلة السينمائية الكبيرة وفتحه والاطلاع عليه هو في الحقيقة نوع من المصالحة مع الذات. هل تعتقد أن الوقت مناسب لعرض فيلمك التاريخي في الجنوب وهل ترى أن المحتوى يمكن أن يمس أو يهم شريحة كبيرة من الناس؟ - لقد قررت بمعية صديقي المنتج راضي تريمش أن نقدم الشريط في الفترة الحالية رغم المؤشرات السلبية لتردد الجمهور على القاعات لان محتوى الشريط يأتي ليزيل الغبار عن مراحل هامة في تاريخنا وليقول لمختلف الأجيال أننا لا يمكن أن نبني المستقبل دون الاطلاع على ماضينا بسلبياته وايجابياته كما أن الشريط يكشف عن الروح النضالية التي ميزت التحركات الشبابية والتي مهدت وساهمت في خلق وعي جديد لدى الشباب، فالثورة ليست فكرة أتت بها الرياح بل إنها حلم طالما راودنا وسينما الهواة هي شاهد على ذلك وقد اخترنا أن ننطلق في عرض الشريط في أقصى الجنوب التونسي تزامنا مع عرضه بالعاصمة لنقطع مع فكرة أن السينما هي حكر على العاصمة والمدن الكبرى. السينما يجب أن تعود إلى كل مناطق البلاد لتعود لها أهميتها كفعل ثقافي متأصل في عادات التونسي. مواصفات عالمية بإمكانيات تونسية رأى البعض أن الفيلم طويل أكثر من اللازم لتكرر بعض الشهادات التي كان يمكن اختزالها أو التخلي عنها ما رأيك؟ - أنا اقدر كل الأفكار والآراء التي عبر عنها النقاد ولا اعتبر ان الشريط هو كامل الأوصاف والشروط. قد يكون هناك بعض المقاطع البطيئة نوعا ما والتي فرضتها ضرورة تقديم المعلومة لأننا قمنا باختيار فني صعب وهو خلق تناغم وتوازن بين جمالية الصورة وتعبيريتها دون اللجوء إلى التعليق الذي عادة ما يستعمل في الشريط التسجيلي. أما عن الشهادات فهي موجزة إلى حد كبير ولا اعتقد أن هناك اعادات، المهم أننا بذلنا مجهودا وحاولنا قدر الإمكان أن نقدم شريطا تونسيا بمواصفات عالمية لكن بإمكانيات تونسية. تعطل فيلمك كثيرا هل يمكن ان تذكر اليوم الأسباب الحقيقة لذلك؟ -انطلقت في انجاز الشريط سنة 2006 وقد استغرق انجاز الشريط كل هذا الوقت لأننا واجهنا مصاعب جمة انطلاقا من تجميع المعلومات والوثائق إلى تحديد مكان تواجد مختلف المستجوبين إلى تحديد الوثائق الفيلمية وصيانتها ورقمنتها، كل هذا بإمكانياتنا الذاتية حيث أن الشريط لم يتحصل على دعم عند تقديمه للوزارة أثناء المرحلة الأولى من انجازه بالرغم من انه عرضت أجزاء منه في افتتاح الملتقى العالمي للسينمائيين الهواة بحضور ممثلين عن سبعين دولة وبحضور 3 وزراء منهم وزير الثقافة ، ومن حسن الحظ أن فريق انجاز الشريط يتكون من أصدقاء التفوا حول المشروع وساعدوني في المضي قدما لإتمامه وكذلك مساندة ومساعدة عائلتي التي ساهمت في انجاز الشريط، كل حسب إمكانياته. رد فعل بدائي دواؤه الحوار والطروحات البديلة ما رأيك في ما تعرض له بعض الفنانين من اعتداءات جسدية وتخويف وأي حل للخروج من هذه الأزمة؟ - في اعتقادي هو مجرد رد فعل بدائي من أفراد محدودي التفكير يجب عزلهم والتصدي لهم بالحوار والنقاش والذهاب إلى أماكن تواجدهم لنقول لهم ان السينما والفن هو فعل ثوري له قدسيته وعليهم عوض الالتجاء لهذه الوسائل للتعبير عن آرائهم المناهضة لفكر وطرح النوري بوزيد مثلا بإنتاج عمل سينمائي يقدم طروحات مغايرة. يجب ان نتعلم ان نتعايش مع بعض وأنا أتذكر أنني عشت فترة طويلة مع الكثير من الإسلاميين في معتقل رجيم معتوق وتوصلنا إلى تعايش سلمي وحضاري بل أصبحنا أصدقاء رغم التباين السياسي والإديولوجي. يجب أن لا نعيد أخطاء الماضي الصدامي الذي عاشته الجامعة التونسية لان الكثير من التصعيد قامت به عناصر مندسة حسب تخطيط من بارونات الحزب الدستوري، احذروا المغالاة والمزايدات. هل لديك مشاريع جديدة؟ - من خلال تجربتي التلفزية تعلمت العمل على العديد من المشاريع في نفس الوقت وهو ما أحاول أن انقله إلى الكثير من زملائي الشبان الذين يربطون مصيرهم بمشروع واحد ويبقون فترات طويلة في انتظار تحقيقه، بالنسبة لي هناك شريطان قصيران الأول حول الأطفال والثورة والثاني هو حول المد التضامني في مخيمات اللاجئين. أما المشروع الرئيسي فهو سيناريو شريط روائي حول فترات مغمورة من تاريخ تونس وفيه تواصل مع "صور متواترة ". علياء بن نحيلة