جدل قائم الآن بين عدة أطراف بمختلف اتجاهاتها حول موعد 24 جويلية لإنتخابات المجلس التأسيسي، بين رافض ومتشبث في جو اتسم بالتشاؤم من جهة والتفاؤل من جهة أخرى حول نجاعة التأجيل أو الإبقاء في تحديد مدى نزاهة هذه الإنتخابات وشفافيتها. فالتفاؤل والتشاؤم كلمتان كان لهما منهج آخر في العهد السابق سيطر عليه منطق "الكبت والضغط النفسي" لتصبحا من أكثر الكلمات تداولا بين التونسيين في هذه الفترة بالذات ومنذ اندلاع ثورة 14 جانفي تُرجمت سلوكا أو كلاما، فيرى البعض أنهما مجرد كلام فلسفي لا قيمة له ولا تأثير له على النفس البشرية ويرى آخرون أن لهما دورا مهما في حياة الناس إذا أُحسن فهمهما واستخدامهما.
وفي هذه الفترة الإنتقالية، المتميزة بتداخل الأحداث وتشابكها والمتراوحة بين اللاجدية والإنفلات على جميع الأصعدة من جهة والخطورة من جهة أخرى، اختلفت أوجه النظر تجاهها فخال للبعض مثلا أن أمر سلسلة التسربات عبر الحدود واكتشاف بعض مخابئ الأسلحة لا يعدو أن يكون سوى أحداث متفرقة ربما لا رابط لها سوى الاشتراك في المكان والزمان ولكن يبدو أن الإفراط في التفاؤل في بعض الأحيان يشكل خطرا في حدّ ذاته وبالتالي يبقى الجدال قائما مادام الحال على حاله، فالسؤال المطروح أي تفاؤل نريد ؟؟ وكيف يمكن الإبقاء على حالة من التفاؤل في ظل الواقع الراهن؟ صلاح الدين الجورشي (إعلامي ومحلل سياسي) يقول "يجب علينا أن نتفاءل بالمستقبل رغم كل الصعوبات التي تواجهنا لأن الثورة حلم قابل للتحقيق وهو ما تبين من خلال فرار الرئيس السابق وبالتالي تحقيق هذا الحلم وارد جدا" مضيفا "ولكي نتمكن من تحقيق بقية الأشواط يجب أن نتمتع بثلاث خصال أساسية أولها الوعي بأهمية الثورة وبالظروف الموضوعية التي نعيشها، ثانيها التحلي بالقدر الأدنى بالتفاؤل أي بأننا قادرون على بناء نظام سياسي يكون ديمقراطيا، وثالثا الإستعداد للتوافق في ما بيننا للتمكن من التغلب على المحطات الصعبة وحل المسائل الإختلافية التي تفصلنا وبالتالي نؤسّس على المشترك ونعطي فرصة ومجالا لكي تنضج مواقفنا" ويوضّح الجورشي "أن الملاحظ هو اتجاه الأمور نحو تأجيل موعد 24 جويلية واحتمال كبير أن تكون الإنتخابات في شهر أكتوبر "وعلى كل حال سيكون لهذا التأجيل كلفة إقتصادية وأمنية وسياسية"، مضيفا أنه "ومع ذلك ومع هذا التوجه الوفاقي الضروري يجب أن نتفاءل وأن لا نصاب بالنكسة وأن نتفاءل بأن الغد سيكون أفضل، مستطردا أنه قد يعتبر البعض "أن هذا كلاما نفسيا، فأقول بأنه دون شحنة نفسية لا يمكن للشعوب أن تهز الجبال وتتحدى الصعاب، فالشحنة النفسية توفر نوعا من الإرتقاء النفسي لتذليل الصعوبات وحل العديد من الإشكاليات" ومن جهته قال محمد الجويلي (أستاذ علم الإجتماع بجامعة تونس) أنّ " الناس يحتاجون في الفترات الإنتقالية إلى ما يدعم ثقتهم في محيطهم العام، فالبحث عن الثقة والسعي لبنائها مردّه عدم السيطرة على مجريات الأحداث وصعوبة فهمها وقلة المعلومات حولها" موضحا أنّ " المرحلة الإنتقالية تسير وفق مسارين متوازيين الأول مرتبط بعقلانية بناء الأشياء وفق إجراءات قانونية ومؤسساتية وهو مسار يمكن أن يتعثر ويصطدم "بمطبات" عديدة وقد يتقدم بخطى بطيئة وقد يراوح مكانه الشيء الذي ينتج حالة من اللاّيقين المزعج، أما المسار الثاني الذي يعتمد على ما يمكن تسميته بالرأسمال العاطفي أي مجموعة المشاعر والمواقف التي تعطي الدفع اللازم للمسار الأول، من مفاتيحه، أي الرأسمال العاطفي، الثقة والتفاؤل والتواصل الجيد والتسامح والأمل في مستقبل أفضل".
التفاؤل بناء اجتماعي
إلاّ أن وحسب قول الجويلي الرأسمال العاطفي للمجتمع التونسي غير مهيإ لمثل هذه الإنتقالات لذا يجد صعوبة في التصرف في هذه المرحلة لا كمرحلة سياسية فقط وإنما كمرحلة عاطفية، فالرأسمال العاطفي يُبنى من خلال تجارب وأزمات مهما كان نوعها فاليابان مثلا له من الرأسمال العاطفي ما يجعله يواجه الزلازل القوية بهدوء منقطع النظير أما في تونس فإن أبسط الأشياء تقود التونسي إلى القول أن البلد "داخل في حيط". وعللّ محمد الجويلي "أنّه لم نكن نحتاج في بعض الأحيان إلى بسط إجراء منع الجولان لأنه يدفع بالمواطنين إلى عدم الثقة، فكان من الأجدر مثلا تعويد الناس شيئا فشيئا بمثل هذه الحالات الصعبة مع القدرة الكافية للسيطرة عليها". فالتفاؤل قبل أن يكون حالة عاطفية هو بناء اجتماعي يتصل بمسألة الروابط الاجتماعية ويبني الثقة بين الناس ويحدّد أشكال الفعل والممارسة الاجتماعية، وهو ليس حالة ثابتة فهو متحرك بحراك الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالسؤال الذي يطرح نفسه: كيف الإبقاء على حالة من التفاؤل في ظل الواقع الراهن؟ ويجيب الجويلي: "تبدو جدية القرارات السياسية ووضوحها من أهم عوامل التفاؤل، فالمسألة الإتصالية مهمة في هذا الإطار عندما يفصح الفاعلون السياسيون عن توجهاتهم بالوضوح الذي يقوي حالة التفاؤل عند الناس" مضيفا "إن مساءلة معنى التفاؤل والحاجة إليه هي مساءلة لشكل من الروابط الاجتماعية المبنية على التفاعل الإيجابي بين الناس لأن التفاؤل الفردي أو الجماعي هو نظرة للحاضر وللمستقبل وهو أيضا من شروط العيش المشترك". وفي ذات السياق هناك من المحللين من يقسم التفاؤل إلى نوعين، تفاؤل غافل وتفاؤل جاد، فالتفاؤل الغافل الذي هو أقرب إلى التشاؤم في نتائجه ومعناه أن ترى الجانب الحسن والمشرق فقط لا غير من المستقبل إنما هو تفاؤل أقرب إلى الخيال. أما التفاؤل الجاد فيدفع الإنسان إلى تخطي الصعاب وإيجاد الحلول المثالية لكل الأزمات، وبالتالي رؤية الجانب السيء والإيجابي معا وأن ترد المشكلة إلى أصولها وتبحث عن أسبابها وتضع لها أكثر من حل لمعرفة أو تقدير نتيجة هذه الحلول كي لا تقع المفاجأة.