يلحّ على الكثير منّا سؤال مستفزّ عن المجلس التأسيسيّ و مدى جدوى انتخابه لكتابة الدستور الجديد و تمهيد الطريق إلى الديمقراطيّة. قد يكون أوان الطرح متأخّرا و لكن السؤال مشروع أكثر من أيّ وقت مضى في ظلّ الجدل الجديد حول تأجيل الانتخابات و الانقسام بشأن موعدها الأفضل لتونس. و السؤال هو التالي: هل كان من الضروريّ التوجّه إلى خيار المجلس التأسيسيّ ؟ كانت الفكرة مجرّد مطلب رفعه معتصمو القصبة الذين نجحوا في إسقاط حكومة الغنوشيّ و الذي بدوره زكّى ذلك الخيار عند خروجه من الندوة الصحفيّة يوم أعلن استقالته، فقال مصرّحا للصحفيّين أنّه يؤمن بلزوم هذا المجلس. و مازالت صورة ذلك المطلب في حقيقة الأمر ضبابيّة في ذهن من طالب بها و من دعا إليها و من صفّق لها مستبشرا و قد يظلّ الضباب منتشرا ليتواصل الغموض الذي يلفّ مستقبل هذه الثورة الفريدة بسبب الفوضى التي تهيمن على المشهد التونسيّ و التي نحاول كلّ من موقعه أن يتفهّم جميع أشكالها و يمتصّ بعض آثارها باعتبارها الانفجار الذي تولّد من ضغط و كبت استمرّا على مدى عقود. و في مقابل ذلك، يتمنّى العاقلون أن تهدأ النفوس و تؤجّل الاعتصامات خاصّة تلك التي تطالب بالتنمية حتّى تستقرّ الأوضاع بما يخدم المواعيد التي ننتظرها و تنتظرنا و حتّى نتمكّن من الخروج بفكرة واضحة عن هذا المجلس الذي سندعى لانتخابه، فأخطر ما في الموضوع أن يحين الموعد و لا نجد الجاهزيّة المطلوبة لإنجاحه. هذه الجاهزيّة لا تستثني أحدا و هي تهمّ بالدرجة الأولى الهيئات التي ستنظّمها و تؤمّن شفافيّتها و الأحزاب التي ستتنافس فيها و الشعب الذي سيختار منها ما يناسب لتطلّعاته و لمستقبل أبنائه و أحفاده. تلك الأطراف التي ستقرّر مصيرنا لا نجد عندها، إلى حدّ كتابة هذه السطور، ما يبشّر و لو أنّنا لا نحبّ التشاؤم ومن يدعو إليه، فالهيئة العليا المستقلّة للانتخابات ظلّت متمسّكة بضرورة التأجيل و نجحت في إقناع الأحزاب بذلك و قد كانت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة – أدام الله علوّها - منقسمة بين معارض و مؤيّد لهذه الرغبة، و الحكومة من ناحيتها ادّعت في وقت سابق أنّها ملتزمة بالموعد الأوّل، و الأحزاب التي لم تطبّق سياسة تحديد النسل فتوالدت و تكاثرت و تناسخت في مدّة وجيزة منقسمة بطبعها في كلّ شيء و منشغلة، و ستظلّ، بعرض مخاوفها و تركيز هياكلها و التعريف بمؤسّسيها و تلميع صورهم. و أكثر القائمين على تلك الأحزاب منكبّون منذ قيام الثورة على مهاجمة بعضهم بعضا أكثر من إطلاع الناس على برامجهم التي لم تكتب أصلا و هذا قد لا يزعج الناس كثيرا فهم عاجزون دون شكّ على الإحاطة بأسماء 70 حزبا أو أكثر فكيف سيحيطون بالبرامج و التصوّرات التي لم يظهر منها إلاّ الكثير من القراءات الظرفيّة و القليل من الرؤى المبدئيّة ؟ الشعب ، و أنا لا أتكلّم باسمه و لكنّي فرد منه، يشاهد كلّ ذلك و يساهم من جانبه في أحيان كثيرة ببعض الضجيج الذي قد يفيد و قد لا يفيد و لكنّه ينتظر- و هذا قدره - و بات يعرف أنّ انتظاره سيطول أكثر قبل أن يمرّ كما قيل له من عهد القمع و الظلم إلى جمهوريّة الكرامة و الحرّية و الرفاه بفضل الدستور الذي سيُكتب و الديمقراطيّة التي ستنشأ! و بسبب الانتظار الذي لا نحبّه حين يطول يعود السؤال ليطرح من جديد: هل كان من الضروريّ التوجّه إلى خيار المجلس التأسيسيّ؟ و لعلّ قراءة ما سبق تحمل جزءا من الجواب فالخوف كلّ الخوف أن يتعطّل التوافق المطلوب و التناغم اللازم بين أعضاء ذلك المجلس كما حدث في المجالس و الهيئات التي سبقته و التي مازلنا نشاهد ما فيها من خلافات و خصومات و عداوات معلنة أو مبطّنة و كلّ ذلك ظاهره ديمقراطيّة مزعومة و باطنه شقاق هدّام. ربّما كان من الأفضل، منذ البداية العمل على تعديل الدستور بإشراف خبراء القانون و ممثّلين عن الأحزاب و جمعيّات المجتمع المدنيّ ثمّ عرضه على الاستفتاء الشعبيّ ، كما جرى في الشقيقة مصر، و هكذا يمهّد الطريق لانتخابات رئاسيّة و برلمانيّة تخرجنا من وضع اللاّاستقرار . لكن بين ما يحدث الآن و ما نتمنّى حدوثه بون شاسع و خلاف متواصل حول ما يلزم و ما لا يلزم. عبد الرزاق قيراط