من السهل التنبه بعد جولة صغيرة في معتمدية المتلوي إلى أن التقسيمات القبلية تترجم نفسها في الأصل بتقسيم ترابي واضح للأرض, فالمنازل تمتد متلاصقة حسب العرش تفصل بينها حدود طبيعية على غرار السكة الحديدية والوادي والسوق... ويتم التمهيد للانتقال من عرش إلى آخر بأحياء صغيرة تجمع أكثر من فسيفساء وخليط من الناس فرضها النمو الديمغرافي لأحد العرشين المتجاورين أو التصاهر فيما بينهما مما يفضي الى أن التنظيم البلدي للمنطقة رسخ لسنوات مبدأ العرش. تقسيم رأى حفيظ الطبابي دكتور في التاريخ(في رصيده دراسة خاصة بمنطقة الجنوب الغربي) أنه يعكس البنية الذهنية والاجتماعية للمنطقة -ولمناطق عديدة في تونس- التي تنبني على تقسيمات قبلية أو عروشية، عملت الدولة منذ الاستقلال على طمسها باعتماد قوات الأمن وذلك دون المرور الى معالجتها. وأضاف أستاذ التاريخ أنه حتى مع التقسيمات الاجتماعية الجديدة التي ظهرت مع بناء الدولة, بقيت النقابات تعتمد على التقسيم القبلي في عملها حيث يقوم الوجهاء النقابيون بإثارتها في فترات الانتخابات النقابية أو البلدية أو التشريعية, وتكون هذه النعرات في الغالب المنعرج الذي يحدد رهانات الانتخابات والفوز بالامتيازات المالية التي تحملها في طياتها. ووضح الطبابي أن الأحداث الأخيرة بالمتلوي كانت استثنائية وأكثر حدة واحتقانا من سابقاتها التي شهدتها منطقة الحوض المنجمي، نظرا الى أن الوضع الاقتصادي العام للبلاد يعاني حالة ترد ويمر بأزمة كما أن الدولة ضعيفة وفي مرحلة إعادة بناء وهناك قوى تقليدية في النظام المنهار (بقايا النظام السابق نقابيون انتهازيون...) تعمل على اثارة حالة الفوضى والانفلات الأمني لتستعيد شرعيتها في المنطقة. وأشار في السياق أن أهالي هذه المناطق لو وجدت أشكالا أخرى للتأطير أو التنظيم غير العروشية أو القبلية لاندمجت داخلها وأصبحت تنشط في إطار أحزاب أو منظمات أو جمعيات وعندها يتراجع وقع العرش والقبيلة في البنية الاجتماعية والذهنية للجهة. وذكر الطبابي أنه في الوقت الراهن يجد التونسيون أنفسهم أمام أحزاب ضعيفة ومجتمع مدني مفقود... لذلك يعودون الى انتمائهم القبلي... ويرى أن الوقت قد حان للعودة إلى الدراسات التاريخية والسوسيولوجية التي أجريت على هذه المناطق, فالتأزم الذي شهدته المتلوي وغيرها من المناطق في تونس يحتاج إلى حلول علمية مختصة إلى جانب الحل الأمني الذي تحتاجها الظرفية. في الإطار بين السيد توفيق خلف الله والي قفصة أن منظمات المجتمع المدني ستشرف على تكوين لجنة الوفاق التي طالب بها أهالي المنطقة وأفاد أن لجنة التحقيق في الأحداث الأخيرة لم يقع النظر فيها بعد. ريم سوودي