احتد النقاش في المدة الأخيرة حول مسألة مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، وتحديدا بعد تناول اللجنة المصغرة المنبثقة عن الهيئة والمكلفة بإعادة صياغة مسودة العقد اوالميثاق الجمهوري- الى حين اقرار تسميته الأخيرة- لهذا الموضوع. ويعتبر البعض أن التطرق ل"مناهضة الصهيونية" فيه نوع من المغالاة بل يؤكد آخرون أنه يأتي في إطار مزايدات وهو في غير مكانه، إذ أن العقد الجمهوري يبغي "تأمين مناخ سياسي يصلح لإجراء انتخابات تعددية شفافة" لا غير. وفي المقابل يشدد آخرون على أن هذه القضية جوهرية في تحديد المشترك السياسي، فهي من ثوابت الشعب التونسي وهي لا تقل أهمية عن المسألة الديمقراطية وأيضا الحريات. وبين هذا وذاك هناك من يربط مسألة مناهضة التطبيع بالمال السياسي المتدفق في البلاد وأيضا من يربطه برضاء القوى الأوروبية والأمريكية على هذا الطرف أو ذاك، فالمعروف أن أمريكا هي الحليفة الأولى لإسرائيل، في حين يربطه آخرون بمسألة أعمق هي الهوية.. ويبدو أن مسألة تحميل هذا العقد الديمقراطي أوالجمهوري أكثر مما يحتمل قد يكون في طياته نوع من الخلط أو "ادعاء الخلط"؟ حول ماهية ومهام هذا الميثاق.. قضية جوهرية وأكد أحمد الكحلاوي رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة الصهيونية أن هناك مجموعة ليست لها علاقة لا بالبلاد ولا بالهوية تعمد إلى جعل نقطة مناهضة الصهيونية ثانوية وأضاف أن هناك أساتذة جامعيين يذهبون إلى تل أبيب وهم موجودون في أحزاب ومنظمات تونسية. وحذر الكحلاي من جهة أخرى من أن التطبيع يغزو تونس في مختلف المجالات التجارية والثقافية والأكاديمية واعتبر ذلك "موروثا عن السلطة السابقة" وقال إن التطبيع مع الكيان الصهيوني هو "استهداف للثورة وأهدافها واستهداف للهوية". وشدد الكحلاوي على أن الصهاينة يعملون ضد حرية الشعب التونسي وكرامته وضد قضية الهوية العربية الإسلامية، وهم يدركون أن مسألة الهوية هي مسألة رئيسية وجوهرية وأن قضية فلسطين من صلب أهداف الثورة، قضية الانتماء وقضية فلسطين. وردا على الآراء التي تعتبر ان الحديث عن مناهضة التطبيع طوباوي وفيه كثير من المغالاة، قال "لن نبرر تعاملنا مع عدونا بأكل الخبز لن نقبل ذلك نهائيا"، ومن ناحية أخرى اتهم "منظمات وأحزاب بأنها تتحصل على أموال أجنبية طائلة وأكد أنها تلعب دورا كبيرا في هذا الإطار، وهي التي "تعمد إلى تذييل هذه القضية الجوهرية" . قضية في غير إطارها وأوضح عصام الشابي القيادي بالحزب الديمقراطي التقدمي أن التعاطي مع فكرة العقد الجمهوري تحكمها جملة من المبادئ والقيم، ومثل هذا العقد مفيد وضروري للتنصيص على مبدإ الجمهورية والديمقراطية واحترام الحريات، وقال "نرفض أن يصبح العقد برنامجا حزبيا"، واعتبر الشابي أن مجال مثل هذه القضايا ليس العقد الجمهوري، فيجب أن تطرح مثل هذه القضايا في أطر أخرى. من ناحية أخرى اتهم الشابي "البعض" بمحاولة إقحام هذه القضية في إطار غير إطارها وقال " البعض يريد أن يسجل موقفا لا غير"، ولم يستبعد بأن تكون هناك أطراف غير راغبة في هذا العقد الجمهوري، وتريد أن تخرج به عن أطواره الطبيعية حتى تتحول القضية إلى خندق المزايدات الأيديولوجية والسياسية. واعتبر أن بعض القوميين والإسلاميين يتهمون الأحزاب الديمقراطية بأنها لا تحمل "مبادئ"، وقال "حزبنا لا يقبل المزايدة من أحد، فنحن من الأحزاب التي كانت مناهضة للصهيونية ومازالت، وقد وقفنا مثلا ضد التطبيع وزيارة الصهاينة -لا اليهود- للغريبة في 2010، في حين كان "بعض القوميين والإسلاميين في سبات عميق ولم يكونوا في صراع مع الدكتاتورية، إنما كانوا يصدرون نضالهم". المطبعون أقلية من ناحيته أكد عبد الرزاق الهمامي رئيس الهيئة التأسيسية بحزب العمل الوطني الديمقراطي أن الوطنيين الديمقراطيين هم أكثر من وقف في وجه التطبيع وناهضه وأن لهم "موقفا مبدئيا من القضية"، واعتبر أن الصراع مع الصهيونية ليس دينيا وإنما هو صراع بين حركة عنصرية استعمارية حرمت شعبا كاملا من أرضها وأن عداء الصهيونية هو من مظاهر العداء للهيمنة الامبريالية على المنطقة وعلى الأمة العربية وقال "الصهيونية أداة لتحقيق أهداف الامبريالية". من ناحية أخرى أكد أنه ليس هناك مغالاة في طرح مثل هذه القضايا في العقد الجمهوري "حتى لا تخترق الثورة التونسية من قبل أي من الأطراف التي تخدم المصالح الامبريالية". وأوضح الهمامي أن حزبه مع عدم توظيف محور الهوية في الصراع السياسي، ف"الهوية العربية الإسلامية ليست محل نقاش ولا تجاذب "، واعتبر المطبعين هم أقلية معزولة في المجتمع التونسي. إشكال مفتعل من ناحيته اعتبر الحبيب القزدغلي أستاذ التاريخ المختص في المسألة اليهودية في تونس وأحد مناضلي حركة التجديد أن اللجنة المنبثقة عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة المكلفة بصياغة العقد الجمهوري حسمت أمرها في هذه المسألة وأكد أن مناهضة الصهيونية ليست من ثوابت الشعب التونسي بل هي مسألة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهم يتفاوضون من أجل حلها، وقال "يجب علينا نحن أن نساعد الفلسطينين وليس دورنا أن نعرقل جهودهم". وأضاف القزدغلي أن التطرق لمثل هذا الموضوع والإصرار على تضمينه في العقد الجمهوري الذي يعدّ خوضا في غير محله وهو افتعال إشكال لإرباك التونسيين، الذين ليس لهم أي إشكال فيما يتعلق بمسألة الهوية، بل ذهب إلى أن هذا الموضوع تم طرحه "من قبل الأطراف الرافضة للعقد الجمهوري". وأفاد أن الهوية الآن ملخصة وترضي الجميع من خلال المحافظة على الفصل الأول من الدستور وهناك إجماع بين التونسيين على هذا، وهو فصل يشكل العبقرية التونسية التي رفضت الدولة اللائكية والدولة الدينية على حد سواء. وقال "أنا كحداثي عقلاني أدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس"، واعتبر أن الحل الفلسطيني هو الحل الذي جاء على لسان بورقيبة سنة 1965 في خطاب أريحه الشهير والذي ندم العرب على عدم انتهاجه اليوم. المال السياسي مؤثر؟ ويعتبر أحمد براهيمي المنسق العام لحركة الشعب (القومية) أن الشعب التونسي لا يمكن أن يتعامل مع أعدائه وهو يجسد ثوابته بمقاطعة أعدائه، وأكد أن موضوع مناهضة الصهيونية موضوع غير قابل للتنازل عنه. وربط براهيمي مسألة الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها بمسألة المال السياسي الذي يتم ضخه لعدد من الأحزاب من جهات غير معلومة، وقال "المانحون الأجانب يربطون الرضا عن الدولة التونسية بالقبول بالشرق الأوسط الجديد ومن ضمنه الكيان الصهيوني". وردا على الذين يعتبرون مسألة مناهضة الصهيونية ليست من مهام العقد الجمهوري أكد براهيمي أن فلسطين ملك مشترك لمختلف العرب وهي أرض عربية وهذه القضية تعتبر من جوهر المسائل لا من فروعها وتونس غير قابلة للانفصال عن الأمة العربية، وأوضح أن المسألة الديمقراطية والحريات ومعاداة الصهيونية كلها أضلاع لذات المثلث. من ناحية أخرى اعتبر أن الكيان الصهيوني هو رأس حربة متقدم للامبريالية وأداة للحركة الصهيونية التي تعد حركة دينية عنصرية معادية للإنسانية. لا يجب الخلط! اعتبر محمد القوماني القيادي بحزب الإصلاح والتنمية أن المهام التي تقوم بها لجنة إعداد الميثاق الجمهوري بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، تهدف إلى طمأنة الأطراف السياسية وإزاحة المخاوف فيما بينها، وقال "نحن مع ميثاق ديمقراطي يتعلق بالفترة الانتقالية، يسجل المشتركات بين الفاعلين السياسيين ويبدد المخاوف المتبادلة ويؤمن مناخا سياسيا يصلح لإجراء انتخابات تعددية شفافة". واعتبر القوماني أن هناك خلطا بين أن تقوم بتوافق على أسس تبنى عليها حياة سياسية سليمة وبين البحث عن التماهي الكامل الأيديولوجي وكأنما هو في إطار حزب. من ناحية أخرى وعلى مستوى الموقف من الصهيونية، أكد القوماني أن حزبه مناهض للصهيونية وإسرائيل ويعتبرهاعدوة للشعب والأمة الإسلامية، واعتبر أن كل عمل من شأنه أن يحاصر إسرائيل ويحد منها يدعمه الحزب.