ما يميّز الرّوائي التّونسي المهاجر الحبيب السّالمي عن غيره من أدباء المهجر من التّونسيّين والعرب المعاصرين أنّه وعلى امتداد سنوات إقامته المتواصلة بفرنسا - لم يفرّط في لغته الأمّ (العربيّة) وظلّ يكتب بها وبها وحدها ضاربا عرض الحائط بمجموع الحوافز المغرية الّتي توفّرها - عادة - كبريات دور النّشر ووسائل الاعلام الغربيّة لكلّ كاتب أو روائي عربي "يتبرّأ" من لغته الوطنيّة ويتّخذ من اللّغات الأجنبيّة (الفرنسيّة خاصّة) أداة في الكتابة والتّعبير ... وما يميّزه أيضا أنّه - من جهة أخرى - قد نأى - باكرا - بنفسه وبأدبه عن منهج «التّبرّج» وكلّ أشكال «السّتربتيز» الثّقافي المفضوح - لغة ومضمونا - الّذي جعل منه العديد من الكتّاب العرب المعاصرين في المهجر أداتهم في توسّل القرب من القارىء ودور النّشر ووسائل الاعلام في الغرب أداتهم في ذلك التّركيز في كتاباتهم الأدبيّة وحتّى في بحوثهم ودراساتهم الاجتماعيّة على كلّ ما هو «غرائبيّة» و «فنطازيا» في «الاجتماع والجماع والعمران» - مع الاعتذار للعلاّمة ابن خلدون - داخل المجتمعات العربيّة فيما يشبه عمليّة متاجرة و»تشهير» ثقافي وحضاري جبانة بمجتمعاتهم وتاريخ مجتمعاتهم وانسان مجتمعاتهم ... لكن هذا لا يعني - أيضا - أنّ «لغة» الرّوائي الحبيب السّالمي الأدبيّة وعوالمه وشخوص وأبطال رواياته - تنتمي الى «دنيا» الفضيلة وأنّها متأدّبة بالمعنى المدرسي الطّفولي للكلمة ... بل على العكس فالرّجل - ومنذ رواياته الأولى - أبان عن «وقاحة» لغويّة ومشهديّة جريئة وصادمة أحيانا طبعت جلّ أعماله - وبخاصّة منها رواياته الثّلاث الأخيرة الصّادرة عن «دار الآداب» في بيروت وهي على التّوالي :»عشّاق بيّة» و «أسرار عبد اللّه» و «روائح ماري كلير» ولكنّها «وقاحة» من صميم الواقع الوقح التقطتها عيون وقحة لكاتب روائي ( هل نقول عنه أنّه وقح أيضا ) ... وقاحة لا تتملّق ولا تستجدي أحدا - لا القارىء الأوروبي ولا دور النّشر الغربيّة - ولكنّها تحاول أن تغوص بسلاسة وعفويّة ووضوح وجرأة في كنه تفاصيل «الأشياء» والظّواهر الاجتماعيّة بما فيها تلك الّتي تبدو «بسيطة» وغير ذات معنى ... في روايته الجديدة «نساء البساتين» الصّادرة حديثا ( الطّبعة الأولى بتاريخ 2010 ) عن «دار الآداب» بيروت يواصل الرّوائي الحبيب السّالمي على نفس النّهج فنجده يأخذ القارىء - ولمدّة 19 يوما بلياليها - هي زمن اقامة بطل الرّواية المهاجر العائد الى بلاده تونس من بلد الهجرة فرنسا لقضاء عطلته السّنويّة عند أخيه المقيم في «حيّ البساتين» بالعاصمة ، يأخذه في رحلة «قبض» على تفاصيل صغيرة ولكنّها ذات دلالة في حياة - لا فقط - أفراد أسرة أخيه المتكوّنة من الأب ( ابراهيم ) والزّوجة ( يسرى ) والابن ( الطّفل وائل ) ولكن أيضا في المشهد الاجتماعي التّونسي عشيّة ثورة 14 جانفي وما يشهده من تحوّلات - على جميع المستويات - (علاقات اجتماعيّة وقيم وأحلام وتطلّعات وهواجس و»تحرّر» وقمع ومظاهر تديّن ) مجموع هذه «التّفاصيل» الصّغيرة هي الّتي جعلت من رواية «نساء البساتين» تبدو بمثابة لوحة تشكيليّة فيها من «الصّمت» والجمال والألوان والسّرياليّة بقدر ما فيها من الوضوح والعنف والقبح والصّخب الرّوائي ( لغة وشخوصا ووقائع واحالات ) رواية «نساء البساتين» بشخوصها وأبطالها و»أشيائها» وأحداثها هي - في كلمة - «المشهد التّونسي» عشيّة الثّورة ... بل قل هي تونس ... بعيون وقحة ولكنّها مفتوحة ويقظة وواعية...