اعتبر القائمون على أيام الموسيقى البديلة حضور الجمهور للتظاهرة بالحدث الجميل وغير المتوقع خصوصا بهذه الكثافة في سهرة الافتتاح وقال المشرف على المهرجان الاستاذ زهير قوجة إن الجمهور التونسي سئم من الموسيقى المستهلكة التي اعتبرها مجرد ضجيج يعود بالضرر على المستمع لأنها تعمل على تبليد ذهنه والكلام له. وهو يؤكد في نفس السياق أن ذلك كان يندرج ضمن سياسة عامة تعمل على تخريب الذوق العام وهي السياسة التي كانت طاغية حسب قوله في العهد البائد. وكانت أيام الموسيقى البديلة في دورتها الاولى التي انعقدت أيام 16 و17 و18 جوان الحالي قد شكلت لوحة ايقاعية مخالفة للمعتاد. كان الفنان الشاب محمود التركي قد افتتح «الأيام البديلة» للموسيقى بأغنية «اعتذار إلى هيبة الدولة» بإحساس شاب من أبناء ثورة 14 جانفي وأداء مطرب محترف تتلمذ على أيادي الكبار... « اعتذار إلى هيبة الدولة « قصيد ساخر كتبه الشاعر والسجين السياسي السابق أحمد شاكر بن ضية رد به بطريقته الخاصة على تصريح للوزير الأول الباجي قائد السبسي يتعلق بتعامل الشرطة مع المتظاهرين وبما أسماه بالحفاظ على هيبة الدولة. عن هذا القصيد وغيره من أشعاره قال أحمد شاكر بن ضية : «أقطف العبارات من أفواه الشعب وأصوغها قصائد بالفصحى أو العامية وهي رسائل واضحة لبقايا النظام المخلوع.» من جهتها اختارت مجموعة «أملقام» النشيد الوطني لتبدأ وصلتها الغنائية في حفل افتتاح الايقاع البديل وترحل مع الجمهور الحاضر بكثافة بفضاء الفن الرابع بالعاصمة على بساط الحضارات الغنية فنيا ورغم أن مطربات «أملقام» الثلاثة رددن روائع عالمية وشرقية إلا أن لمسة الابداع كانت واضحة لديهن ونلمسها بالخصوص في إحساسهن دون أن ننسى إمكانياتهن الصوتية.
نحب البلاد
وكان واضحا أن عرض «نحب البلاد» للبنى نعمان ومهدي شقرون قد سعى أصحابه من ورائه إلى البحث عن التجديد والتجريب على مستوى الموسيقى والكلمة غير أن ما شاهدناه واستمعنا إليه ليلة 17 جوان الماضي يجعلنا نتساءل لماذا لا تدعم وزارة الثقافة مثل هذه التجارب فهذا التصور الفني «نحب البلاد» وبالإضافة إلى الموهبة بانت فيه ملامح الثورة الفنية وقد شكل العرض مشهدا راقيا وهو مطلوب في الساحة الموسيقية التونسية غير أن «ضعف الحال» فرض على عرض «نحب البلاد» اللجوء لأغاني سيد درويش وأعمال عرفناها بصوت أميمة الخليل. إن ألحان مهدي شقرون واحساس لبنى نعمان ليس في حاجة للبضاعة الشرقية وخير دليل على ذلك أغنية «كان يا ماكان» التي لم تكن جاهزة بعد للعرض ولكن آداء بعض مقاطع منها كان كفيلا بأن يثير في الحاضرين إحساسا كبيرا وتجاوبوا معها تجاوبا واضحا. وتجدر الإشارة إلى أن أيام الموسيقى البديلة خطت بفنانيها خطوة إلى الامام وحظيت بدعم هام من المثقفين والفنانين والجمهور المساند للبحث في الموسيقى وكانت سهرة الإختتام من تأمين زهير قوجة. العرض يحمل عنوان «ينا». هل هي إذن بعض نسمات الابداع والتجديد في الموسيقى والفن عموما لفحتنا بفعل تغير المناخ السياسي الراهن؟