مرّت يوم أمس 29 جوان 56 سنة على وفاة المناضل الوطني الغيور الطيب المهيري وهو في أوج العطاء (41 سنة) من أجل تونس لقد كان الفقيد رائدا من رواد الحركة الوطنية منذ اندلاع الشرارة في جانفي 1952 وعرف بفطنته وقوة الشخصية ودماثة أخلاقه مع تعلقه الشديد بالمجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة الذي كان يكنّ له كل الإخلاص والوفاء إذ أنه من الرجال القلائل الذين يعوّل عليهم عند الشدة فأبلى البلاء الحسن عند تطبيق سياسة الأمان الناتجة عن خطاب منداس فرانس في 31 جويلية 1954 لكنه كان في نفس الوقت صعب المراس صاحب مواقف شجاعة وجريئة خاصة بمناقشة القرارات والتعليمات الرئاسية دون أن يؤول ذلك إلى التمرّد والوحشة. إن معرفته الجيدة بدواليب الحزب الدستوري والجديد مكنته من الاضطلاع بمسؤولية كاتب الدولة للداخلية من 15 أفريل 1965 إلى تاريخ وفاته في 29 جوان 1965 بحرفية ومهارة فائقتين وسعى إلى إرساء أركان الدولة الحديثة من إدارة جهوية وبلدية وتونسة الأمن الوطني وإحداث سلك الحرس الوطني بمعيّة زمرة من الرجال الذين جمعوا بين النضال والكفاءة والمقدرة على رفع التحديات بأقل التكاليف مثل المرحوم محمد الحبيب الغراب والسيد الباجي قائد السبسي وقد حرص الطيب المهيري على تدعيم العمل البلدي من خلال إحداث نقابة البلديات للضاحية الشمالية بصفته رئيسا لبلدية المرسى وهي فكرة رائدة لم يكتب لها مع الأسف الدوام والتطوير. عرف الفقيد بقدرته على الخطاب والتخاطب والتواصل مع الجماهير وكان مثالا آخر لمنهج «الاتصال المباشر» فمن خلال خطبه كان يستحث الهمم ويشحذ العزائم بحماس وصدق عميقين ونذكر على سبيل المثال الخطاب الذي ألقاه في جمع من المتطوعين الشبان إلى معركة بنزرت في جويلية 1961 ومدى التجاوب الذي لقيه منهم في ظرف عسير وخطير وهم يستعدون للموت والاستشهاد. كان الفقيد يبذل كل ما في وسعه وما تسمح له مكانته عند كل الأطراف في أعلى هرم السلطة ولدى القاعدة إلى تقريب الشقة بين الأخوان المتخاصمين وتهدئة الخواطر ورآب الصدع الذي يحصل بين رفاق الأمس وخصوم الحاضر ويحسب للفقيد فضل من جملة الفضائل والمناقب يتمثل في الحاق مدينة المرسى بالركب الجمهوري «لقاء بعض الشخصيات ذات الطابع المعماري» وإتمام المصالحة بينها وبين الحبيب بورقيبة. «إنما المرء حديث بعده»