الحديث الى المفوضة السامية لحقوق الانسان السيدة نافي بيلاي لا يخلو من نكهة خاصة ذلك أن جذورها الهندية ومسيرتها المهنية وتجربتها في المحاكم الدولية تدفعك للاقتناع بأنك أمام أمراة من معدن خاص وهي التي تعد حسب تصنيف مجلة «فوربس» ضمن أكثرمائة امرأة نفوذا في العالم. خلف ذلك الجسد النحيل والوجه الاسمر بنك من المعلومات وسعة الاطلاع فالمرأة التي تحتل منصب المفوضة السامية لحقوق الانسان متخرجة من هارفرد و هي قاضية في محكمة الجزاء الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. بكثير من الامل ولكن أيضا بكثير من الحذر حدثتنا عما ينتظر مكتب الاممالمتحدة لحقوق الانسان في تونس من مسؤوليات جسام في هذه المرحلة الانتقالية وقالت كنا نعتبرأننا نمشي على أرض بور في تونس وصرنا الان نتحرك على أرض خصبة بعد أن طالب الشعب التونسي بحقوقه. ونفت المفوضة السامية لحقوق الانسان نافي بيلاي أن تكون المفوضية تغافلت عن انتهاكات النظام السابق أوأن تكون أغمضت عينيها عن التجاوزات الحاصلة في مجال حقوق الانسان وقالت نافي بيلاي في حديث خصت به «الصباح»أمس على هامش زيارتها الاولى الى تونس بالتزامن مع افتتاح مكتب الاممالمتحدة لحقوق الانسان ان المفوضية ظلت تعمل مع المنظمات الحكومية لحقوق الانسان وتصدر بياناتها وتحث النظام السابق على وقف التعذيب واحترام وتعزيز حقوق الانسان وأن المفوضية كانت في المقابل لا تجد غير الصد والرفض ولم يكن مسموح لها بالدخول الى تونس وقالت بيلاي «لم ننسى تونس أبدا «وكشفت أن زيارتها الى تونس التي التقت خلالها رئيس الحكومة ووزير الخارجية جاءت تلبية لدعوة من الحكومة واشارة منها على توخي الشفافية في ملف حقوق الانسان. وعن الهدف من افتتاح مكتب للمفوضية يهتم بحقوق الانسان ردت بيلاي بأنه حدث تاريخي في مسيرة المنظمة فهذا أول مكتب يفتتح لا في تونس فحسب بل في شمال افريقيا وأضافت بيلاي انه لو أحدا كان أخبرها قبل أشهر بافتتاح مكتب في تونس لما كانت صدقت ذلك.واعتبرت أن شرط المناضفة في الانتخابات المرتقبة يعتبر سابقة في العالم العربي حتى الان. وأشارت الى أن كل الجهود مع النظام السابق لفتح مكتب لحقوق الانسان انتهت بالفشل ولا أفشي سرا فالكل يعلم أن المسائل المتعلقة بحقوق الانسان والمجتمع المدني لم تكن من المواضيع التي تحظى بتشجيع بن علي وأنه لم يكن يحتمل حضور تابع للامم المتحدة في مجال حقوق الانسان ولو أنه كان يقبل بذلك فاننا كنا سندفع الحكومة الى أشياء لا ترغب فيها تتعلق بالحريات كما نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان والحكم وفق ما تقتضيه مصلحة الشعب بدل المصالح الخاصة وقد استمر الوضع على هذا الحال الى أن قال الشعب التونسي كلمته وبتنا اليوم نتحرك على أرض خصبة لتلبية المطالب والحقوق الاساسية التي طالب بها الشعب التونسي والتي كانت مهضومة تحت نظام بن علي. وعن مدى تفاؤلها بشأن ملف حقوق الانسان قالت بيلاي انها تجد في تونس مجالا أرحب للامل من أي مكان بسبب توفر فضاء من الخبراء في تونس في مجالات متعددة بحقوق الطفل كما بثقافة حقوق الانسان أما عن المخاطر فتقول محدثتنا أنه على التونسيين أنفسهم أن يحددوا تلك المخاطروأشارت الى أنه من الضروري مثلا أن يتم محاكمة العسكريين أمام محاكم مدنية وأنه في حال خرق مسؤول عسكري حقوق الانسان يجب محاكمته أمام محكمة مدنية واعتبرت أن السير عكس هذا الاتجاه غير مثمر ولايعزز موقع القانون. اخرأعربت بيلاي عن أملها في افتتاح مكتب في مصر قريبا.
أكثر من مجرد انتقاد
وعن الغاية من وجود هذا المكتب قالت المفوضة السامية لحقوق الانسان ان حقوق الانسان تعني أكثر من مجرد انتقاد السلطة عندما تخطئ والهدف هو ترسيخ حقوق الانسان في المشهد السياسي والقانوني الجديد وتقديم المشورة حول كيفية اصلاح المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان لتتطابق مع المعايير الدولية وأوضحت أن مجالات التعاون تشمل التنسيق مع كل من وزارة العدل وكذلك الداخلية للمساعدة على اجتياز التحديات المرتبطة بالعدالة الانتقالية وتدريب أجهزة الامن لاداء واجباتها دون الاعتداء على حقوق الناس. واعتبرت ان مصادقة تونس خلال الاسابيع الثلاثة الماضية على أربع معاهدات تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وقبل ذلك أصبحت تونس الدولة 116 التي تصادق على نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية لتكون بذلك الاولى في شمال افريقيا وهذا يعد التزاما من جانب تونسالجديدة بأنه لا مجال للافلات من أي انتهاكات خطيرة في المستقبل.
سوريا وليبيا
وعن موقف المفوضية من الاف الاجئين الليبيين في تونس وتأخر المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية عن متابعة هذا الملف بكل تداعياته على قالت بيلاي ان الحكومة الانتقالية تواجه من هذه الناحية عبئا ثقيلا ودعت المفوضة السامية لحقوق الانسان المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته والتعجيل بتقديم المساعدة لتونس لمواجهة هذا الحمل. وعن تداعيات المشهد الليبي قالت بيلاي أن الامر يدعو فعلا للانشغال وأن المفوضية أرسلت فريقا للتحقيق في الانتهاكات الحاصلة في ليبيا سواء من جانب قوات العقيد القذافي أوكذلك من جانب الثوار وأضافت أنها لو تمكنت من افتتاح مكتب للمفوضية في ليبيا فان ذلك سيكون مصدرا للارتياح. أما عن المشهد في سوريا وما يسجل من انتهاكات لحقوق الانسان في حق المتظاهرين في سوريا ردت بيلاي بأن المفوضية طلبت من النظام السوري وعبرثلاثة مطالب رسمية لالتحقيق في الاحداث وأن المفوضية كانت تمنع من الدخول في كل مرة الى سوريا وقالت بيلاب ان ذلك لم يمنع المفوضية من وضع خطوط تقريرها الذي سينشر في شهر سبتمبر بالاعتماد على شهادات نحو ألف من الاجئين السوريين الذين غادروا الى تركيا أوغيرها من الدول. وعن تجربتها في جنوب افريقيا وعملها خلال المرحلة الى جانب الزعيم الافريقي نلسون مانديلا لتحقيق المصالحة بعد سقوط نظام الميز العنصري أشارت بيلاي الى أهمية الخيارات التي وضعها الزعيم الجنوبي افريقي والتي اعتمدت مقولة أنه لا يمكن أن نمارس على الاخرين ما تعرضنا له واعتبرت أنه من المهم أن يوجه القادة في المرحلة الانتقالية رسائل قوية الى الداخل والخارج وهو ما قام به نلسون مانديلا بعد سبع وعشرين عاما من السجن. وأضافت ان المراحل الانتقالية ليست سهلة و تستوجب الكثير من الصبر والعمل وهو ما جعل بلدا مثل جنوب افريقيا ينتقل من دولة عنصرية الى ديموقراطية مزدهرة. وعن الاتهامات والانتقادات بشأن تعامل المفوضة مع ملف حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ردت بيلاي بأن للمفوضية مكتبان في الاراضي المحتلة أحدهما في غزة و الاخر في الضفة وان المرافقين للمفوضة في تلك المهمة تتم توعيتهم فيما يتعلق بازدواجية المعايير نظرا لطول فترة الاحتلال ولشدة بؤس الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لكن الأممالمتحدة لا تفتأ تتناول هذا الموضوع في مجلس حقوق الإنسان ويتم إدراجه في جدول الأعمال رقم سبعة والمفوضة مطالبة بإطلاع الأمين العام للأمم المتحدة عليه كي يقدم تقريرا عن هذا الملف، والمفوضية تقدم تقريرا عن المستوطنات وتقدم تقريرا عن عمليات إغلاق المناطق الفلسطينية وتأثيرها وهذا يبعث برسالة قوية مفادها أنه لن يكون هناك تملص من المسؤولية فيما يتعلق بمن يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان ولن تكون هناك حصانة وإنما مساءلة...