بدا من الواضح ونحن نتتبع تطورات الأحداث ما بعد الإطاحة بالنظام أن الشعب التونسي يرى أن التعايش قبل سقوط بن علي كان أسهل من التعايش «السلمي» فيما بيننا في فترة ما اتفق بمرحلة للانتقال الديمقراطي والذي تعاملنا خلاله فرادى وجماعات: جمعيات وأحزاب بكل أشكال التعامل.. ما عدا التعامل الديمقراطي!!! فنحن لا يمكن أن ندعي أننا بصدد ممارسة حتى أبجديات الديمقراطية بل نحن مازلنا نتمرن على البعد النظري للديمقراطية.. والأحزاب السياسية بكل تجلياتها سواء تلك التي تتشدق بالإرث التاريخي وبسنوات النضال الطويل أو تلك التي «ولدت» من رحم الثورة على ما يبدو ولادة قيصرية غير مكتملة النمو.. كلها مازلت تعيش في فترة الجنينية السياسية.وكل هذه الأحزاب والى حد اليوم لم تقدم خطابا يستسيغه التونسي ويقبل عليه ليمنحه بعضا من الطمأنينة وراحة البال.. بل جميعها تلوك نفس الشعارات وتتحصن بالظواهر اللغوية والمعادلات الطوباوية في تحقيق أمن وأمان التونسي البسيط الذي أصبح مهددا في قوت يومه وأمن غده.. وهناك بعض الأحزاب الأخرى التي تسوق نفسها جماهيريا بمظاهر باذخة وبعقد مؤتمراتها في أرقى الأماكن الفاخرة مع غياب شبه كلي لبدائل معقولة لأوضاع اقتصادية واجتماعية متدهورة.. أما بالنسبة للهيئة العليا فقد طغت على أعمالها الحسابات الضيقة دون المصلحة العليا للبلاد فقد مررنا من سياسية لي الذراع وحديث المجالس المغلقة إلى ظاهرة التراشق العلني بالاتهامات واستغلال المنابر الإعلامية لهذا الغرض دون غيره.. وبالنسبة للحكومة المؤقتة فهي كثيرا ما تناست أنها حكومة تصريف أعمال وانحرفت باللعبة السياسية وشحنت المناخ العام بالاتهامات المبطنة والمعلنة والدافعة الى أكثر من احتمال وأكثر من فرضية مما يغذي مناخ الشك والريبة الذي بات يسيطر على ذهن المواطن.. نفس هذا المواطن الذي بات كذلك ضبابية المشهد السياسي ومناخ الشك المحيط به يدفعانه إلى العزوف عن كل عمل سياسي فكأن الشأن العام لا يعنيه في شيء. ومن المتناقضات الغريبة لإفرازات واقع ما بعد الثورة أن المجلس التأسيسي الذي مثل مطلبا شعبيا لا بديل عنه لم يتهافت التونسيون على الترسيم في القوائم الانتخابية التي هي بوابة عبور لممثلي الشعب لهذا المجلس الموقر لتجسيد مطالب جماهيرية شعبية سقط من أجلها الشهداء. «الأسبوعي» بحثت في الأسباب الجذرية لما بات يسمى «شبه أزمة سياسية» تتخبط فيها البلاد.