4- الإيطاليون بتونس : أ- تصرّفات الإيطاليين على إثر عملية الإنزال بالسواحل الطرابلسية ووصول الأخبار التي تتحدّث عن انتصارات الإيطاليين نلاحظ أنهم أظهروا الخفة والعجرفة بتونس حيث تباهوا بانتصار دولتهم وفي هذا الإطار تطرّقت جريدة "المشير" إلى هذا التفاخر الذي تظاهر به الإيطاليون أمام الطرابلسيين المقيمين بتونس مدعين أنهم أصبحوا سادة وغيرهم عبيد . كانوا يتفوّهون بكلمات تصمّ الآذان ويتهكّمون على الخلافة الإسلامية لهذا طالبت «التونيزيان» من الحماية الفرنسية صدّ المعتدين وحذّرتها من خطورة تدهور العلاقات بين الأهالي والإيطاليين . وأدلى أحد المثقفين التونسيين للجريدة الباريسية «باري جور نال» بحديث تطرّق فيه إلى التصرّفات العدائية الصادرة عن الإيطاليين مثل التباهي بالتفوّق والتكبّر إزاء الأهالي وطالب الحماية الفرنسية بوضع حدّ لهذه التصرّفات. وقد اتخذت جريدة «الاتحاد الإسلامي» ذات المنحى حيث تحدّثت عن تصرفات الإيطاليين كالتحرّش بالمسلمين والانتقاص من عظمة الإسلام وشتم العثمانيين بالقول أنهم حثالة من المرتزقة وليس لهم وزن مستغربة هذه التصرّفات التي تصدر عن التجّار والأطباء والصيادلة والمحامين والمقاولين الذين يعيشون من خيرات تونس كما أدانت التصرّفات الصادرة عن جريدة «لونيوني» التي طالبت من الحماية الفرنسية قطع العلاقات بين طرابلسوتونس ومنع مرور العثمانيين عبر الحدود . وتساءلت جريدة «التونيزيان» «هل أن تونس محمية فرنسية أم إيطالية ؟» لأنها استنتجت أنّ الجالية الإيطالية أصبحت تمثل دولة داخل دولة وتلمس ذلك من خلال تصرّفاتها حيث وصلت بها الجرأة إلى حدّ أنها طالبت فرنسا بانتجاه سلوك معيّن تجاه الأهالي . وأشارت جريدة «الاتحاد الإسلامي» إلى تأثر شعور التونسيين بدعوة إيطاليا مواطنيها للتطوع وقد وصلت بها الوقاحة إلى حدّ مطالبة التونسيين بالتبرّع بالمال ب- المطالبه بالمقاطعة : اختارت الصحافة التونسية الدعوة إلى مقاطعة سلمية للتأثير الإيطالي فقد دعت إلى عدم التعامل حتى على المستوى الصحي لافتة الانتباه إلى أنّ الأجرة التي يدفعها التونسي إلى الطبيب فيها نصيب من الإعانة لإيطاليا وكذلك الأدوية التي تشترى من الصيدلي الإيطالي وعلى ضوء ما تقدم يتحتّم على التونسيين عدم شراء البضائع الإيطالية ولو بصفة مباشرة . كما طلبت «الصواب» مقاطعة الإيطاليين تجاريا وقطع العلاقات معهم ، وتطرّقت جريدة «الاتحاد الإسلامي» إلى موقف أهالي قابس الذين قاطعوا التجار الإيطاليين وردت ذلك إلى سلوك الإيطاليين وصرّحت بأنّ العداء بين الأهالي والإيطاليين قد لا يزول بعد الحرب بسبب الاعتداء على دولة لها اعتبار ديني ونلاحظ أن الدعوى ستجد صدى بعد الاصطدامات التي شهدتها تونس بين الأهالي والجالية الإيطالية في أحداث الجلاز. 5- أخبار الحرب : واكبت الصحافة التونسية أحداث الحرب ووقفت إلى جانب الدولة العثمانية وفندت الأخبار التي تروج للانتصارات الإيطالية واستقت أخبارها من المكتبات الخصوصية والمراسلين الحربيين أمثال «البشير الفورتي» وتصريحات قادة الجيش العثماني وما تذكره الصحف الأجنبية من انتصارات عثمانية . تجدر الإشارة إلى أنّ «الزهرة» هي الوحيدة التي تابعت أطوار الحرب من البداية إلى عهد الصّلح لأنّ بقيّة الجرائد تمّت مصادرتها بعد أحداث الجلاز . ونلاحظ بأنها كانت تنشر يوميا التفاصيل إذ أوردت يوم 11 أكتوبر 1911 خبر أول هزيمة إيطالية أمام التضامن العربي العثماني المدافع عن الملة والوطن وشرف الدولة العثمانية . ونشرت تصريحات «فتحي بك» رئيس أركان الجيش العثماني الذي أكّد أنّ الأمور على أحسن ما يرام فالذخيرة والأسلحة متوفّرة والجيش والمتطوّعون لهم معنويات مرتفعة» . كما أعلنت جريدة «الصواب» بأن المدد متواصل والذخيرة متوفّرة والمجاهدين بلغ عددهم مائة ألف للدفاع عن طرابلس الغرب ، وخلصت إلى هزيمة إيطاليا التي لم تجن في ميدان القتال سوى «دماء مهدورة وجنود مأسورة وأمهات ثكلى وأبناء يتامى» مضيفة بإنّ إيطاليا لم تتمكّن من تحصيل تقدم خارج مدينة طرابلس ولهذا أصبح جنودها شبه مساجين في مدينة درنة حيث ينتظر جنودها الموت، وتشير إلى أن طعامهم قنابل العثمانيين وبارود العرب البواسل . وكتبت جريدة «الاتحاد الإسلامي» بأنّ إيطاليا كانت تتصوّر أنّ غزوها لطرابلس ما هو إلاّ مجرد نزهة غير أنّ الواقع أثبت لها العكس فوجدت مقاومة قوية معبّرة عن فرحة المسلمين بالانتصارات العثمانية واستردادهم لحصون طرابلس بعد أن دحروا العدو . وفي نفس السياق كتبت جريدة الزهرة انه أمام هذه الانتصارات العثمانية-العربية ردّت إيطاليا بأبشع الجرائم فقتلت النسوة والأطفال والشيوخ وهدمت المنازل وهجرت ستة مائة مواطن طرابلسي كما ذكرت جريدة «التونيزيان» بأن كل الملاحظين شهدوا بحسن معاملة العثمانيين للأسرى الإيطاليين . وواصلت جريدة «الزهرة» نشر تفاصيل الوقائع الحربية وأشارت إلى انتصارات العثمانيين على الإيطاليين واعتبرت بأنّ مسألة إلحاق طرابلس شكلية لأن إيطاليا «باعت الدب قبل قتله» . وأشارت كذلك بأنّ الجرائد التونسية لم تشكّك يوما في الانتصارات بل كانت مقتنعة تماما بالانتصار النهائي على الإيطاليين وطالبت إيطاليا بتعويضات مقابل الخسائر المادية والبشرية إذا أرادت الصّلح . ولتدعيم ما كانت تنشره من أخبار كانت الصحافة التونسية تنشر المراسلات الخصوصية المتعلقة بالانتصارات العثمانية على غرار مراسلات الصحفي سليمان الباروني الذي تحدّث عن الانتصارات المتتالية في معركة قصر الهاني . وفي نفس السياق اقتبست جريدة «الزهرة» عن جريدة «لوطان» أحداث واقعة قرقارس التي تقهقر فيها الإيطاليون أمام هجوم العثمانيين والمجاهدين العرب وكما نشرت أخبار احتلال الإيطاليين بنغازي ودرنة وطبرق من مراسلة خصوصية نقلتها عن جريدة «الأهرام المصرية» من مراسلها الحربي التونسي محمد الصالح الشواشي وأشارت إلى أن الاحتلال وقع دون مقاومة لأن الأهالي غادروا هذه المدن قبل دخول الجيوش الإيطالية و لكنها في المقابل لاحظت بأن الأهالي تصدوا للجيوش الإيطالية عند محاولتهم احتلال بنغازي حيث دارت معركة حامية الوطيس تجلّت فيها للعيان الشجاعة والاستماتة في المقاومة من قبل العرب . وتستنتج كذلك جريدة «الزهرة» بأنهّ أمام الشجاعة والاستماتة التي أظهرها الأهالي في كبح جماح الجيوش الإيطالية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توافق الدولة العثمانية على إلحاق طرابلس الغرب بإيطاليا. وحذّرت الجريدة الدولة العثمانية من التخلي عن الدّفاع عن طرابلس لأنها ستعرض عصمتها للضياع ونفوذها الأدبي للزوال ووحدتها السياسية للتلاشي خاصة بعد وصول المتطوعين من مصر والجزيرة العربية . وفي عدد آخر سخرت جريدة «الزهرة» من الأساليب التي يستعملها الإيطاليون في الحرب والتي تمثّلت في المناشير التي ترسل بواسطة المناطيد لاستمالة المجاهدين حتى يكفوا عن المقاومة واعتبرته سلوكا يدل على السذاجة والحماقة مؤكدة على استماتة العرب وصمود المجاهدين في الدفاع عن الولاية العثمانية وعلى ضوء ما تقدّم استنتجت بأنه لا يمكن قبول الصلح إلاّ إذا تم الاعتراف بانتصار العثمانيين خاصة وأن الطرابلسيين عازمون على الجهاد حتى آخر رمق من حياتهم . وقد تولتّ جريدة «الزهرة» تفنيد الأخبار التي ما فتئت تنشرها الجرائد الإيطالية وصرّحت بأنه من المحال أن ترضى الدولة العثمانية ببيع ولايتين إفريقيتين وتسليم أهلها للطليان ذلك أن هذا السلوك لا يلائم مقام الخلافة الإسلامية ولا شرف دولة عظيمة لأن نتائجه ستؤدي إلى تقلّص نفوذ سلطتها من جميع الممالك العربية . وواصلت جريدة «الزهرة» طرحها القائل بأن الصلح يجب أن يكون لفائدة العثمانيين ولم تتصوّر أبدا إبرام صلح لفائدة إيطاليا ولمّا تمّ ذلك كتبت تقول : «كان يغلب على الظنّ أنّ تركيا لا تجنح لمصالحة حكومة مغلوبة وعلى الرغم من إبرام هذا الصلح بقيت «الزهرة» تعتقد أنّ إيطاليا هي المنهزمة في الحرب الطرابلسية. وحاولت أن تجد الأعذار للدولة العثمانية وأشارت بأنها عملت بمقتضى المصلحة وهي أدرى بها من غيرها وردتها إلى اندلاع ثورات الشعوب البلقانية الذي تزامن مع حرب إيطاليا على الرغم من انهزام هذه الأخيرة . وفي الوقت نفسه كانت تؤكّد بأنّ المجاهدين العرب سيواصلون الحرب إذا كان الصلح سيهضم حقوقهم ونشرت خبر إبرام الصلح ومحتواه دون تعليق . خاتمة لقد عبرت الصحافة التونسية عن اتجاه الرأي العام التونسي من الغزو الايطالي لليبيا كما ساهمت في توجيه هذا الرأي العام وتوعيته ولاشك ان وجود الايطاليين بالبلاد التونسية كان له تأثير على هذا الموقف كما ان ما قامت به الصحافة كان له صدى كبير تبلور بالأساس خلال أحداث الجلاز والترامواي .