في هذا الكتاب الجديد الصادر حديثا ( 2011 ) عن الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم، يبدو الدكتور عبد السلام المسدي - ومن خلال «اللغة» الأدبية المؤثرة التي صاغ بها مادته - أقرب الى الانسان الصرف منه الى السياسي أو المثقف فهو اذ يروي للقارىء عبر فصول الكتاب الأربعة عشر «شيئا» من الجراح التي اختزنتها ذاكرته بصفته مثقفا «حملته أقداره على أن تتقاطع تجربته السياسية مع الذي حكم البلاد بأمره» - والعبارة له - يكاد يبين عن ذلك البعد الراقي والعجيب في شخصية هذا الكائن المسمى «انسان»، خاصة حينما تجعل منه تجربته الوجودية والحياتية والمهنية «ثلاثة في واحد» أي انسانا ومثقفا ورجل سياسة... وهو البعد المتمثل في القدرة على الاستذكار والاستحضار والقول والبوح والكشف عن الحقائق ولو بعد حين - حتى لا نقول متأخرا -. وهو يروي شهاداته عن طبائع الاستبداد والفساد في شخص الديكتاتور المجرم بن علي كما عاينها - شخصيا - عن قرب عند تقلبه في مناصب سياسية ودبلوماسية مختلفة على امتداد الثمانينات والتسعينات من القرن المنقضي في دولة هذا الطاغية لم يكن الدكتور عبد السلام المسدي يروم - على ما يبدو - مجرد «الفضفضة» أو التماس الأعذار لنفسه أو تبرئتها من اثم السكوت والاحجام عن قول كلمة الحق «عند السلطان الجائر» بقدر ما كان يريد الاجابة عن سؤال مفاده «من يصنع الديكتاتور» ؟ وما هو حجم الدور الذي يلعبه المثقف - وزيرا أو مستشارا - في هكذا «صناعة».... ثم كيف السبيل حتى لا يتكرر الأمر خاصة بعد أن كنست ثورة 14 جانفي (ثورة الكرامة) بن علي وحكمه الى مزبلة التاريخ؟ الكتاب فيه أيضا تعاليق صر يحة وشجاعة حول بؤس مواقف بعض المثقفين الذين حاولوا بعد نجاح الثورة الظهور بمظهر «الأبطال»... وهي تعاليق يدعوهم من خلالها المؤلف - ضمنيا - ربما الى أن يتحلوا بالشجاعة الكاملة... فقط من أجل ألا يتكرر ما وقع...