- في مشهد غير مألوف فاجأ المتابعين و المختصين في شؤون المنطقة خروج الملايين في شوارع تل أبيب وفي كبرى مدن الكيان الصهيوني مطالبين بخفض تكاليف المعيشة في تصعيد خطير للإحتجاجات ضد حكومة نتنياهو مرشح للتطور و قد يؤدي بحسب عديد المراقبين إلى إسقاط حكومة اليميني السفاح الذي طالما تبجح بديمقراطية كيانه. لقد مثل ما حصل في إسرائيل صفعة لقادة الكيان الغاصب بكل ما للكلمة من معنى و فوت عليهم فرصة المفاخرة بأن دولتهم واحة للديمقراطية تنعم بالإستقرار و السكينة ويطيب فيها العيش وسط محيط عربي مضطرب تعمه الفوضى و الإهتزازات المستمرة. و يؤكد الخبراء أن ربيع الثورات العربية الذي انطلق من تونس وامتد تأثيره إلى جميع أرجاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج هو المحرك الرئيسي لما يحدث في إسرائيل. فشباب الكيان الصهيوني الذي اعتصم قرب مقر رئاسة الحكومة و جموع المحتجين تبنت شعارات الثورات العربية على غرار عبارة «الشعب يريد» المقتبسة من قصيدة إرادة الحياة للشابي التي تغنى بها ثوار تونس في نشيدهم الوطني طيلة أيام الثورة و ألهبت حناجر نظرائهم في باقي البلاد العربية. و أكثر من ذلك فقد ردد الصهاينة هذه العبارات كما هي بلسانها العربي و رفعوا لافتات كتبت عليها عبارة «ارحل» باللغة العربية في الأعلى وبالعبرية في الأسفل موجهة إلى رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو الذي يواجه الضغوط ولم يستسغ ما حصل و لم يستفق بعد من الصدمة وكانت تصريحاته شبيهة إلى حد كبير بعبارات من خلعوا من رؤساء العرب السابقين الذين أطاحت بهم الثورات فقد ردد نتنياهوبأنه يهتم بالمحتجين و يتلمس مشاكلهم مثلما صرح بن علي ليلة هروبه بأنه فهم شعبه. و يؤكد المراقبون على أن نتنياهو لن يعرف السكينة أسوة بجيرانه العرب خلال الأيام القادمة لأن هذه الإحتجاجات التي بدأت شبابية من خلال قلة قليلة من الطلبة خرجت من أجل مطالب اجتماعية سرعان ما توسعت رقعتها و انضمت إليها شرائح مهمشة في مجتمع يعاني عديد الآفات والأمراض لعل أهمها التمييز العنصري حيث يحظى اليهود الأشكناز الغربيون بمكانة مرموقة في الدولة فيما يتم احتقاراليهود السفرديم الشرقيون و يهمشون شأنهم شأن اليهود الروس و الفلاشا ذوي الأصول الحبشية و دون الحديث عن عرب ال1948 من الحائزين على الجنسية الإسرائيلية الذين يعانون من التحقير والتهميش أكثر من غيرهم. فبحسب الخبراء فإن ما يحصل في إسرائيل هو عبارة عن كرة ثلج يزداد حجمها بمرور الوقت و الحركة لتتضخم و تأتي على الأخضر و اليابس. فالمجتمع الإسرائيلي ليس بذلك الإنسجام الذي حرصت وسائل الإعلام على تصويره باستمرار فهو مفكك إلى درجة الإستعداد للالتهاب بمجرد اشتعال شرارة من هنا أو هناك و قد حافظ على تماسكه خلال السنوات الماضية من خلال الشعور المستمر بالخطر من الجيران العرب و التأهب لقتالهم و النزوع إلى التوحد في مواجهة هذا الخطر حتى و ان اقتضى الأمر التحالف مع الشيطان و لذلك فإن إسرائيل تحرص على خوض الحروب باستمرار و الهروب من استحقاقات السلام مع العرب و الفلسطينيين. لكن و رغم كل هذا التشابه في المشهدين العربي و الإسرائيلي و رغم الإقتباس الصهيوني لصيغة الثورات العربية فإن نتنياهو وهو جلاد الفلسطينيين و مجرم الحرب الذي يجب أن يساق إلى أروقة المحاكم الجنائية الدولية لم يجنح في قمع التظاهرات بالقوة و اضطهاد شعبه و سفك دمائه كما فعل طغاة العرب قبل الثورات وبعدها و خصوصا النظام العلوي في دمشق وهو ما يحسب للصهاينة و يفسر بعضا من أسباب العجز على مقارعتهم.