التقيته على هامش افتتاح المدينة التعليمية بقطر، وكان منغمسا في تدوين كتابه الجديد الذي سيحدث ضجة دون شك لأنه يبحث فيما غفلنا عنه.. في أصول القضية وأصل غلاة الصهاينة والمشروع الصهيوني... كان منهمكا بين القراءة والكتابة والتوليف والرد على هاتف من هذا وسلام من ذاك... ذاك الرجل الذي تشتد سمرته كلما قطب جبينه يبحث له عن حل لهذه الأمة المنكسرة... د. عزمي بشارة ما يزال على عهده بالقومية العربية الديمقراطية... يصر على أن حركته وتجهات حزبه القومي العربي الديمقراطي، هو الفاضح لسياسات الكيان الصهيوني، وهو النقيض للصهيونية... التقيته في هذا التوقيت بالذات، حتى يمكن أن أفهم ويفهم القراء ماهية النظرة الفلسطينية من الداخل... شدّد الرجل على ما لا يدع مجالا للشك بأن إسرائيل عنصرية وليس لها في الديمقراطية باع.... د. عزمي بشارة شدد على أن حال الأمة لا يعجب وأن حال فلسطين القضية ليس بأحسن حال... وجدته منغمسا في جزء من أجزاء كتابه الجديد، وقد أسمعني واثنين من أبناء وطنه الذين حكم عليهما الاحتلال الصهيوني لفلسطين أن يتشتتا في حين بقي هو، أسمعنا إذن مقاطع من كلام موشي دايان عن الفلسطينيين ومن كلام أحد غلاة الصهيونية الآخرين، منذ أكثر من خمسين عاما ليؤكد لنا الرجل أن شيئا لم يتغير وأن الدبابات الماحقة والصواريخ الساحقة التي تحدث عنها بناة «اسرائيل» وتوعد بها الفلسطينيين تسوية وسلاما، لم يفعل شارون وزمرته سوى الجزء القليل منها... تحدث عن العراق وعن الأمريكان وعن العرب وعن فلسطين، فكنت تراه تارة ذاك السياسي المحنك الذي يخطط ولا يدع للعواطف مجالا، وطورا ذاك الطفل الذي رأى أهلا له وغاب عنه قسم آخر منهم... لم يحدث له ذلك ازدواجا في الشخصية بل وضوحا في الرؤية... لم يجعله سكنه إلى جانب الغزاة مهرولا ومناديا بالتطبيع مع اسرائيل كما شأن عديد «المثقفين» عندنا خارج فلسطين، بل جعله الأمر مناضلا نقيا يفرّق بين الاحتلال والمقاومة... ويقيم جدار الصد ضد العدو ويناضل من أجل وطن جميل يعود إليه «أبو باسم» رفيقه و»أبو محمد» الذين جمعتهم الدوحة مثلما تجمعهم عواصم أخرى تشهد تظاهرات يلتقي فيها ابن البلد بأخيه.... - القضية الفلسطينية وبعد صدمات وكدمات تلقتها على المستوى الاقليمي والدولي هل لا تزال القضية الفلسطينية «قضية» أم هي تحولت الى «مشكلة» ذلك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 جعلت من المقاومة ارهابا ومن الارهاب توقا للسلام ودفاعا عن النفس فأين هي فلسطين «المشكلة» وأين نجد فلسطين القضية؟ برأيي تمثل القضية الفلسطينية «مشكلة» بالنسبة للعديدين لكنها ما زالت في الآن نفسه تمثل «قضية» للشعب الفلسطيني ولا تزال أيضا تمثل «قضية» بالنسبة لغالبية العرب خاصة منهم غير المرتبطين مصلحيا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. لكن الملفت هو أن القضية الفلسطينية عرفت اليوم تحولا ايجابيا على المستوى الدولي والإنساني... فقد حدث هذا التحول مع انضمام قوى ديمقراطية في العالم إلى مجمل الحركة العالمية ضد الحرب على العراق فقد لمسنا ذلك جيدا عشية الحرب على العراق حيث كانت المظاهرات الكبرى تجوب شوارع العالم الغربي خاصة، وكانت كلها تسند الحق الوطني الفلسطيني وتعمل على درء الحرب على العراق. لقد كان ذلك الشعار الرائج والمركزي في كل المظاهرات التي تابعنا عشية الحرب على العراق. لا يجب أن نستخف بذلك لأن هذه القوى المدنية في العالم تعودنا على رؤيتها قوة داعمة لإسرائيل وهي قوى يسارية أو قريبة من اليسار، الآن تغيّر المشهد فأصبحت القوى اليمينية هي التي تدعم اسرائيل والقوى اليسارية المناهضة للحرب وللعولمة هي التي تدعم القضية الفلسطينية. المشكل هنا هو عدم وجود خطاب عربي ديمقراطي يستثمر هذه المساندة بالمقابل أعتقد أنه من الصعب أن نستثمر هذه المساندة وهذا التطور في المشهد المدني العالمي، وفق المواصفات العربية الحالية رسمية كانت أم شعبية، لكن بالمحصلة أقول أن فلسطين قضية... وهي قضية «كولونيالية» (استعمارية) خطيرة في العالم. بل هي قضية فريدة من نوعها من حيث أنها، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، لا تزال القضية الفلسطينية محل اجماع ووفاق بين حركات التحرر في العالم وبين مكونات المجتمعات المدنية الحرة في العالم وبين كل من يناهض الظلم والغطرسة بأنواعها. سياسية كانت أم اقتصادية. لهذا كله فإن القضية الفلسطينية ما تزال قضية وستبقى كذلك إلى أن يرفع الظلم عنها. -منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 انقلب العالم على مفاهيم نبيلة مثل التحرر والنضال ضد الاستعمار والحق في المقاومة. وقع هذا بعد أن خلطت واشنطن بواعز من دوائر متنفذة في المشهد السياسي الأمريكي، الحابل بالنابل، فأصبحت المقاومة ارهابا ، وأضحى جيش الاحتلال الاسرائيلي صاحب السجلات السوداء والأيادي الملطخة بدماء الفلسطينيين مجازر وغارات طوال خمسين عاما، أصبح اذن جيش الدفاع الاسرائيلي، وبات شارون السفاح وزمرته التي لا تقل عنه شؤما ولؤما، دعاة سلم والسياسي الفلسطيني الذي أعطى وتنازل كثيرا، هو الارهابي. كيف يرى د. عزمي بشارة هذه المسألة التي تتجاوز سخرية القدر لتبدو سخرية بشر من بشر؟ لا شك أن الولاياتالمتحدةالأمريكية استطاعت أن تفرض مفهومها للإرهاب دوليا... بل إنها فعلت ذلك حتى تكسب الحرب وتبرر حروبا أخرى. إن مفهوم الارهاب بات العبارة التي تحدد العلاقات الدولية بعد سبتمبر 2001 وهذا أمر خطير. لماذا؟ لأن هذا النهج بات يشكل نوعا من الايديولوجيا. برأيي لم يكن الأمر اخفاقا فكريا، بقدر ما كان الأمر فرضا لمفهوم أراده الأمريكيون الموجودون في دفة الحكم أن يكون مفهوما فكريا للمسألة لقد ساهم العديد من العرب الموجودون بأمريكا (عرب أمريكا) في النقاشات التي أثيرت في المسألة لكن دون جدوى لأن في واشنطن الآن تسود أحادية فكرية... والأحادية التي تفرضها واشنطن اليوم على العالم، لم تكن فرضا فكريا ولكنها فرضت عبر القوة العسكرية والاقتصادية الهائلة التي برزت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية عقب الحرب الباردة. لهذا الأمر لا أرى شخصيا أن بوش كما المحافظين الجدد المحيطين به انتصروا فكريا ولا حتى في المجتمع الأمريكي لأن الفرض والأحادية لا يعنيان سوى القوة والألزام ولا يمكن لهكذا مسار أن ينتج انتصارا... ربما علينا اليوم، نحن كعرب وكشعوب تعيش خارج أمريكا، أن نفهم أن التناقض الداخلي يمكن أن يساوي من حيث المرامي والمفعول أي تناقض خارجي، هكذا هي الامبراطوريات... فرد الفعل على سياسات أمريكا بالخارج يؤثر في الداخل الأمريكي ويدعم أيضا السياسة التي ترفض سياسة بوش وطاقمه الحالي. - لكن الأمر يصل حد اعتماد المغامرة أسلوبا ومنهجا في التعاطي السياسي الأمريكي الحالي، والمغامرة في الأصل ليست منهجا معروفة بدايته ونهايته... المغامرة تعني التخلي عن الرؤية وعن المنهج وعن الحسابات الدقيقة. ألا ترى أن خشية هذا الأمر مطلوبة الآن ونحن نرى أن المغامرة الأمريكية بلغت ذروتها؟ هذا التشخيص الذي ذكرت نتحدث عنه بجدية الآن ، لأنه ماثل أمامنا أكثر من أي وقت مضى. لكن المغامرة كأسلوب في التعاطي السياسي الأمريكي ليست شيئا جديدا. فالقضية ليست فكرية ولا هي في علاقة مع التخطيط لكن أعود فأقول إن الذي يحدث الآن هو هيمنة مفهوم معين ورؤية معينة تحمل في طياتها بعد المغامرة، ويظهر هذا الأمر خاصة مع عملية شحن العواطف بعد الحادي عشر من سبتمبر، والذي سهّل برأيي، على المحافظين أن يكتسحوا المجتمع الأمريكي. الآن هناك تراجع نسجله. فهناك من يرى اليوم أن حالة الأحادية هي حالة حرب دائمة. فالحرب لا تكلف ضحايا في صفوف الأمريكان لأن حربهم التي دأبوا على خوضها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي هي بمثابة المحاربة من طرف واحد (الأمريكي) قصف جوي مكثف ورجوع الجيش الى قواعده سالما. لذلك أقول، قد لا تكلف الحرب ثمنا للمعتدي لكن السيطرة التي تبدأ كمرحلة بعد الحرب، نراها مكلفة وهذا ما يحدث في العراق وفي أفغانستان بدرجة أقل مع القوات الأمريكية فمثلا محاولة حكم شعب آخر أو محاولة المحافظين تنظيم شؤون حرب تفرز ما يقع الآن في العراق وهو بمجرد نهاية الحرب تبدأ الضحايا تتساقط في صفوف المعتدي . نقول هذا اليوم بالرغم من أننا لا نعرف كنه المقاومة العراقية وماهيتها لكن بغض النظر عن معرفتنا من عدمها بهذه القوى إلا أن أحد نتائجها هي أن فئات من الأمريكيين مطالبة باعادة حساباتها وستفعل ذلك، لأن بريطانيا عرفت مثل هذا الجدل، والصورة بالنسبة للبريطانيين أوضح بكثير... فالأمريكيون سوف يعرفون مثل هذا الجدل حول : لماذا نحن في العراق وذلك على وقع الموتى الأمريكيين في العراق وهو عدد في اطراد. - هناك تخطيط وهناك احساس وهناك رصد، لفعل اسرائيلي تصعيدي فيه القتل واستهداف الفلسطينيين أضحى أمرا عاديا. التخطيط يقول إنه على اسرائيل ان تستغل هذا الوضع الآن المواتي لسياستها الاستيطانية والتهجيرية حتى تطيح بالقرار 194. أما الإحساس فينبىء بحلقة جديدة وهي الأصعب على ما أظن من المؤامرة تقتضي تنويم العالم وتغيير الحقائق واعتماد الوهم والكذب والادعاء قصد الاطاحة أيضا بالقرار 194. بعد هذا وذاك يأتي الرصد على الميدان : اسرائيل تقتل مسارات التفاوض والتسوية في المهد وبأيديها ولا أحد له الحق في التعليق، اسرائيل تصعّد الوضع الأمني فتقتل في النهار وفي المساء ويوم العطلة وليلة العيد فتيانا وشابات وعجائز ونساء وأطفال من أبناء فلسطين لا لشيء إلا لمقايضة هذا الشعب على آخر حصن يتحصن به وهو القرار 194 الذي بقي عنوانا ووصمة، شاهد عيان وشاهد اثبات على أن اسرائيل غازية وأن فلسطين في حالة احتلال، وأن الأرض التي بها هؤلاء الاسرائيليين هي ملك محمد وعلي وشادي وغيرهم من أبناء فلسطين الذين هجروا أيام النكبة في 1948. كيف يرى د. عزمي بشارة هذا المشهد وعلى ماذا يوافق وعلى أي شيء لا يوافق في هذا التقديم؟ القرار الأممي 194 الذي نص على عودة اللاجئين هو قرار عادل لقد طرح ولا يزال ، قضية الشعب الفلسطيني كقضية قانونية وانسانية من الدرجة الأولى وهو قرار انطلق من أن هؤلاء الفلسطينيين من حقهم العودة إلى أراضيهم وإلى ديارهم التي هجّروا منها ذات ليلة... وحق العودة هذا نجده مرتبطا بوجود دولتين فقد سبقه قرار التقسيم 181 وهما قراران مرتبطان ببعضهما شديد الارتباط. فالمجتمع الدولي كان يعرف أن الأمر يهم إقامة دولتين، وكل سنة يجدد هذا القرار 194 لكن حدث وأن القرار 194، بات في عيون اسرائيل نقيضا لوجودها، وهي التي تقول هذا الآن، وأقول لك شيئا ليس بمثابة السر، وهو أن هناك اجماع في اسرائيل من اليمين الى اليسار حول هذا الأمر : أن القرار 194 هو نقيض لوجودهم (الاسرائيليون) هؤلاء مجموعون على أن ذات القرار الذي ينص على حق العودة عودة اللاجئين الفلسطينيين بلا قيد أو شرط، هو نقيض لوجود الدولة الصهيونية... هناك عملية سطو ونهب للأرض تم تملكها وتوزيعها على الاسرائيليين ما عدا نحن القلة الذين بقينا بالداخل لهذا لا يمكن أن يتم المرور شكليا على هذا الموضوع الأساسي من الواضح مثلا، ان اسرائيل ومنذ «أوسلو» اعتبرت أن «194» سوف يخضع للتفاوض في المرحلة النهائية لكن هذه المرة وفي هذه المرحلة التي نعرف، تكاد اسرائيل تضع شرطا لعودة المفاوضات تخلي الفلسطينيين عن القرار 194. لقد طلبت اسرائيل من الولاياتالمتحدة التزاما بيهودية، دولة اسرائيل كان ذلك في العقبة حين جاء الالتزام علنيا على لسان بوش. - رغم ذلك، هم طلبوا من «أبي مازن» في العقبة التخلي عن «194» أي اسقاط حق العودة؟ نعم، طلبوا ذلك من «أبي مازن» فرفض لقد طلب منه الأمريكان والاسرائيليون أن يلتزم باسقاط حق العودة فرفض. هذا هو السلوك الاسرائيلي وهذه هي الأهداف الحقيقية لاسرائيل تجاه حق العودة. فمن خلال المفاوضات التي تعددت وتشعبت، لم يتم التوصل الى محو حق العودة ولن يتم ذلك أبدا، برأيي لا يمكن أن يتخلى الفلسطينيون عن حقهم الإنساني والقانوني لن يتخلى فلسطينيي واحد عن هذا الحق الموثق في القانون الدولي. - لكن ألا تعتقد أن منطق القوة المتفردة والأحادية التي تتمتع بها أمريكا اليوم، وفي ظل انعدام الرادع والمحاور لهذه القوة الجامحة، يمكن أن تكون عوامل من شأنها أن تفرض بها واشنطن وتل أبيب شطب القرار 194 من سجل الأممالمتحدة تماما كما فعلتا إبان انهيار حائط برلين حين فرضت واشنطن فسخ قرار أممي يسوي الصهيونية بالعنصرية، خاصة والأممالمتحدة الآن تعرف ضعفا وخضوعا لا مثيل لهما لهذه القوة المذكورة فهل تجرأ أمريكا على ذلك وهل هي قادرة عليه؟ هذا الأمر أصبح غير ممكن بالنسبة للقرار 194 ربما الأمر يختلف بالنسبة للصهيونية التي سوّاها قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم بالميز العنصري. لكن بالنسبة لحق العودة والقرار 194 فهذا أمر مستحيل بالمحصلة صحيح بامكان أمريكا الهيمنة اقتصاديا وعسكريا ولكن لا يمكن وضع مسدسات على رؤوس أعضاء الاممالمتحدة، لا يمكن فرض هذا على الاممالمتحدة ذاتها، لان لا أحد ولا طرف مهما استقوى وسيطر على الحياة الدولية قادر على فسخ القرار 194 دون محو الاممالمتحدة من الوجود، على اعتبار ان فصول القرار المذكور فيه ترديد وإشارة الى الاممالمتحدة. - في عمليات المد والجزر البشرية التي رافقت العدوان الامريكي على العراق، لاحظنا أن حركة المجتمعات المدنية الغربية مافتئت تطور اسلوب عملها واحتجاجاتها بحيث توفقت الى ربط عضوي بين مساوئ العولمة كنوع من التسلط والغطرسة، وبين القضية الفلسطينية كقضية حق وعدل وبين الحرب على العراق التي تحوصل الهيمنة والغطرسة والعنجهية الامبريالية. في حين نرى في المقابل أن المد الجماهيري العربي لا يتبعه جزر بل إن الجزر لا علاقة له بالمد أصلا. ألا تعتقد أن هذا الامر راجع الى كون الغرب له محضنة المؤسسات تلك الغائبة عن المجتمع المدني العربي، وأن قضية الحرية والعدل والتحرر لا علاقة لها بالمشاعر بذوي القربى؟ أنا موافق على هذا التشخيص، فغياب قنوات سياسية وفكرية للتعبير في الوطن العربي فالمظاهرات لا تقلب أنظمة حكم لان ليس لها بديل سياسي، لا تخرج المظاهرات العربية الى الشوارع عبر تنظيمات ومنظمات وأحزاب، العفوية تغلب عليها... بالمقابل ليس هناك قنوات من الحكم تؤثر، وحركات الاحتجاج تشتعل وتخبو دون أن تترك أثرا جديا، لانها تتعامل مع قضيتي فلسطين والعراق بلا مؤسسات... لا توجد مؤسسات مدنية يمكن أن يعبر من خلالها الشعب. المطلوب ليس مظاهرات طيلة أيام العام بل مطلوب تحركات على قضايا البلد نفسه مع التضامن مع القضية الفلسطينية... عندما تسود سيادة القانون المجتمعات العربية ستعرف القضية الفلسطينية دفعا غير عادي... من جهة أخرى لابد من التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي العقبة الكأداء أمام الهيمنة الامريكية في المنطقة، لكن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تكون الرافعة للقضايا الداخلية والاجتماعية والسياسية في البلدان العربية. هذا الامر إن هو تحقق فمن شأنه في النهاية أن يعطي معنى لشحن القضية الفلسطينية وإلا تكون مسألة حماس وأن ما شهدناه مؤخرا ليس سوى عملية حماسة وعاطفة ظرفية، في حين أن الحقيقة تجعلنا لا نستخف بهكذا تحركات مهما كان حجمها ومهما كانت تفتقد الى قاعدة مؤسساتية. - بين مد الثورة والعمل الكفاحي المتاح والمستنبط وبين جزر الخيارات السياسية ذات السقوف المنخفضة، أين موقع م.ت.ف من كل ما يحصل اليوم وأين يتموقع رجالات السلطة ممن يريدون بل ويصرون على أن يبدأ التاريخ من حيث يشاؤون أو لنقل من حيث يشاء لهم أن يكون؟ لا شك أن فترة السلطة لم تكن فترة ازدهار وقد جرت محاولات لتفريغ مؤسسات م.ت.ف عبر اضعافها في الشتات وحلول بعض مؤسسات السلطة محلها... وقد تحولت م.ت.ف الى حالة معنوية خلف السلطة تستدعى عند الحاجة وهذا خطير... وهو خطأ لان الحالة الفلسطينية هي حالة تحرر وطني. واللاجئون مثال على ذلك أو هم جزء من المثال. لكي تكون حركة تحرر وطني يجب ان تكون هناك مؤسسات قادرة على اتخاذ قرار استراتيجي فالسلطة الوطنية تملأ فراغا مدنيا رفضته اسرائيل ولفظته بعد أن خرجت (اسرائيل) من شؤون الناس مدنيا. السلطة الوطنية لا تأخذ قرارات بشأن المقاومة ولا تستطيع ذلك لانها جزء من النظام الذي تم ترتيبه مع اسرائيل اذا اتخذت قرارات بشأن المقاومة فإن السلطة تعتبر في حالة خرق للقرارات والاتفاقات التي أوجدتها. بالمقابل نجد أن م.ت.ف يمكن أن تتخذ قرارات لوضع ثوابت من أجل تنظيم أساليب النضال الفلسطيني بحيث تتلاءم مع الاحداث الوطنية وطالما لا توجد بنية سياسية موحدة يتم فيها اتخاذ القرارات بهذا الشأن، فإنه من الصعب ضبط أساليب النضال لانها تبقى امرا للمزايدة لا غير. لذلك فإن القضية الملحة الآن هي وضع الاهداف الوطنية المرحلية المشتركة للشعب الفلسطيني بما فيها الفصائل خارج م.ت.ف ويبقى الامر الاشد إلحاحا هو ضبط أساليب النضال في مرحلة حساسة وحرجة للغاية. - «السور الواقي» توسيع المستوطنات... غياب رأي عام اسرائيلي مؤمن بالتعايش ويمقت العنف فعليا... أين ترى الاسرائيليين كشعب من هذا المشهد وأين ترى الاسرائيليين كمجموعات من نفس المشهد؟ «الجدار الواقي» هو جدار فصل عنصري لا محالة هو تمهيد ويرسي لنظام «أبارتايد» (الفصل العنصري في جنوب افريقيا قبل الانعتاق)، من أسوإ أنواع الفصل هو هذا الذي يوجد في فلسطين... ولكن أيضا من أخطر نتائج هذا السور هو حصار المجتمع الفلسطيني بشكل غير مسبوق بحيث لا يستطيع الشعب الفلسطيني التحرك في بلده... السور أيضا يصادر (آبار) ويصادر الاراضي أراضي فلاحين ومالكين... وهو يصادر أشجارا أيضا... الخطير هو أن شرقي السور هذا لا تقوم سيادة فلسطينية على الارض، بحيث يجمع السور بين الفصل العنصري والاحتلال معا. إن معركة السور الآن يمكن أن تكون معركة رابحة الآن اذا ما عرفنا كيف نسوّق هذه المعلومات الخطيرة واللاإنسانية. ففي حين تنهار الجدران الفاصلة في العالم (حائط برلين) فإن اسرائيل تقيم حائطا للفصل العنصري... الجدران تنهار من أجل السلام واسرائيل تقيمها لضرب امكانيات السلام... هذا موضوع يجسد بمفرده الطبيعة العنصرية للسلطة الاسرائيلية. شخصيا كنت أحذر من هذا السور منذ سنة، فنحن أفضل من يعرف اسرائيل وطبيعتها... قمت في الابان بزيارات تعبوية للتنديد بالسور قبل أن يبنى... لكن دون جدوى... حتى الجانب الفلسطيني الآن فهم معنى هذا الانذار. في أمريكا لا أحد يفهم كيف تقوم دولة ببناء سجن لشعب آخر... لا أحد يقبلها في العالم... -أسأل الآن د. عزمي بشارة العضو في الكنيست المستعمل لجواز سفر اسرائيلي: كثيرا ما يعتبرون (أنتم عرب 48 المنخرطين في الحقل السياسي الاسرائيلي) أنكم فقط هناك لتضفوا مصداقية على الكيان الصهيوني لتثبتوا ديمقراطيته بل انها حجة كثيرا ما واجه بها الصهاينة بعضا من العرب، هل ينتابك إحساس يفيد انك بطريقة أو بأخرى تبيّض وجه سلطة الاحتلال الصهيوني البشع؟ صحيح... كثيرا ما يقولون مثل هذه الكلمة... وهي كلمة حق يراد بها باطل. ان اصعد في الانتخابات أو أزيح قضية ضد سلطة تل أبيب انا كقومي عربي، لا يعني ان اسرائيل ديمقراطية. ديمقراطيتها ان صح التعبير هي لليهود وليست للعرب. لكن بما اننا أقلية فهم يعملون على قولة الحق التي يراد بها باطل وإلا لتحوّلوا الى نظام «أبارتايد» أصلا. لقد سقطت حجة محاكمتي وزملائي ليس لان اسرائيل ديمقراطية بل سقطت الدعوى بنضالاتنا. نحن لنا مصداقية وأنا صاحب خطاب ديمقراطي... من قال ان اسرائيل تراجعت عن فحوى المحاكمة ضدي؟... محاكمتي كانت أساسا وفق أربعة قوانين لا ديمقراطية. نحن ممنوعون من الكلام... نحن قوميون عرب، ونحن نقيض للصهيونية ونحن نجسد الفرق بين المواطنة والصهيونية لو قبلنا بنصف مواطنة لسقط خطّنا في الماء. إن اصرارنا على الجمع يؤدي الى تناقض خطير. نحن نأتي لنقول بالعكس: فنحن الدليل على أن اسرائيل ليست ديمقراطية هناك عشرات الآلاف من الشباب العربي متأثر في الداخل بأفكارنا وتوجهاتنا، إن حجم التأييد لمثل هذه الافكار متجدد وشبابي وليس متقادما أو تاريخيا. لماذا؟ لان التحدي يومي والمحك واضح. الآن أنا أستطيع ان أتكلم لكن لا أتكلم لكي أثبت ان اسرائيل دميقراطية فالمحك خاطئ. منذ 1996 الى اليوم (تاريخ دخوله الى الكنيست لاول مرة) بدأتم تسمعون عن عرب الداخل عرب 48. في عدة أماكن عربية، يقولون لي أنتم ترفعون شعارات عروبية في حين انسحب أصحاب هذه الشعارات من الساحة السياسية العربية. لكني أقول: إننا حالة فريدة لتأطير التيار القومي العربي... لاننا نحن الذين نعيش على خط التماس... إن هذا الامر لو فهمه جيدا الاخوة العرب لامكن لنا التصدي جماعة لهذا التيار الصهيوني الاخطبوطي الذي يعمل على أكثر من جبهة. نحن القوميون العرب نقيض الصهيونية التي نعيش على التماس معها... لذا أقول للاخوة العرب أن لا فائدة في اسقاط احباطات الطرف منا على الآخر. اسرائيل ليست ديمقراطية ليبرالية، وليست لها علاقة لا بنيوية ولا هيكلية مع الديمقراطيات الليبرالية الغربية التي نعرف، بل هي حالة كولونيالية» بالنسبة لمناطق 1967، وفي حالتنا نحن بالداخل هي ليست نموذجا للديمقراطية . لكن هذه التي تسمّي نفسها الديمقراطية اليهودية ليس أمامها خيار إما أن تتيح لنا نظام عمل أو أنها وبكل بساطة تصبح نظام ميز عنصري بلا جدل. - في العراق: المشهد العربي الآن والدولي كذلك، يجعلان من العراق في حلقة وصل أكيدة مع فلسطين، كيف ترى الحالة العراقية الآن كفلسطيني، بعد أن جاء الامريكيون الداعمون لاسرائيل عن بعد في السابق، فأصبحوا محاذين لارض كنعان، مواصلين معاضدتهم لاسرائيل الكيان؟ الحالة في العراق خطيرة جدا وعلى كل المستويات. الافق غير واضح. الشيء الوحيد الواضح هو أن الولاياتالمتحدةالامريكية لا يمكن ان تفرض أمرها هناك. لا استقرار ولا نظام طالما امريكا تعمل بهذا الشكل... المقاومة العراقية مؤثرة جدا في الامريكان رغم ان التوازن مختل لصالح الاحتلال في العراق... لكن الامر الخطير في العراق هو هذا التفكك الذي جعلنا نقول الآن أو نتأكد بأن الدولة كانت توحد القوميات والمذاهب والاثنيات... إن الدولة العربية فشلت في مهمتها، لان الولاياتالمتحدةالامريكية تأتي اليوم وبعد سنة من الاستقلالات الوطنية لتلعب ورقة الطائفية لكي يكون الانتماء للوطن عبر الطائفة وهذا أمر خطير للغاية يدعونا الى النظر من جديد في دور الدولة العربية حتى نستفيد من التجربة. - أسألك من جديد بوصفك من عرب 48، وتعيش وفق القوانين الاسرائيلية: نحن نعلم ان البحوث والدراسات في اسرائيل متقدمة في مجال العلم والمعرفة. هل لابنائكم امكانية الوصول الى كل أنماط المعارف والعلوم... ما هي المحاذير وفي ما يخص ماذا؟ أسألك هذا السؤال لانه وبعد سبتمبر روى لي شابان فلسطينيان حاملين الجنسية (الاسرائيلية) خضعا لتفتيش مدقق قبل صعود هما طائرة «العال» بل كان التفتيش عنصريا؟ في المؤسسات ذات الطابع الامني الشاب عندنا لا يبدأ حتى يصل... هو لا يلجها لكي يصل... ففي مجال التكنولوجيا المتقدمة لا يقبلون عربا... وهذا صراع مستمر... هم يريدون «الاسرلة» الشرط الاساسي في ذلك أن يعمل الشاب أو الشابة في الجيش ويتصهين عندها يشتغل. لكن الخدمة في الجيش تؤدي الى فقدان الهوية ونحن نتمسك بالهوية. اسرائيل تفرض علينا هذا التناقض وتفهمه وتلعب عليه. فهمت وقد كنت على يقين مسبق مما فهمت، أن البغدادي كما الفلسطيني في نظر هؤلاء... فهم (الصهاينة) لم يأتوا ولم يلتحق بهم حلفاؤهم (الامريكان) ليكملوا لنا مشروع محمد علي في مصر، حتى يدعوا العالم في العراق في سلام وطالب العلم في فلسطين يحقق طموحه العلمي...