بقلم: حسام بن عمار الآن وقد تم إحداث صندوق لدعم الديمقراطية، بكل ما يتضمنه من موارد مالية تندرج ضمن إطار موارد الدولة، فإنه لا يجدر التساؤل عن دوره فحسب بل عن فاعليته أيضا في إرساء قواعد الحرية والديمقراطية والكرامة في بلاد كُتمتْ أنفاسها طويلا حتى أبهرتْ العالم بانفجار لا مثيل له، أصبحت به قدوة في الإرادة السياسية. انفجار يضاهي ذلك الذي ضرب الكرة الأرضية في سالف الأزمان، وابتدأت معه حياة جديدة مازال العلماء حتى اليوم يدرسون مصادرها. انفجار اهتزت له بلادنا طولا وعرضا، ومع ذلك بقيت دينوصوراته وكائناته المتوحشة على قيد الحياة، فر بعضهم فلم نر لهم وجها، فيما البقية بين تحقيقات مطولة وتعتيم إعلامي يُجافي أبسط قواعد الديمقراطية. فما جدوى إحداث صندوق دعم الديمقراطية وما يتبعه من هياكل، في بلاد يرتع فيها الفساد ؟. آفة ترعرعتْ في كنف النظام البائد ولكنها عتيقة في أصلها، تعود إلى عهد الاستقلال. تغلغلت طيلة نصف قرن في رقعة جغرافية صغيرة حتى أصبحت الضرورة تستدعي استقدام خبراء لاجتثاثها. هم في ذلك كشركات التنظيف المختصة في إزالة الأوساخ والقذارة المستفحلة، التي لا تقوى على إزالتها أياد غير متمرسة. أليس من الأجدى إنشاء صندوق لمحاربة الفساد، مع مد هياكله بكافة الصلاحيات اللازمة للقيام بمهامها على أفضل وجه، علها تتوصل إلى إنقاذ ما يسع إنقاذه وتخفيف حجم الكارثة ؟. يُدرك كافة مسؤولينا الشرفاء منهم وغير الشرفاء عدم جدوى استبلاه شعب عزف عن المشاركة في الحياة السياسية، بل أوشك أن يدعو بحفظ التهم الموجهة لكل من نهبوا البلاد وليس فقط إطلاق سراحهم مؤقتا إلى حين استيفاء إجراءات التحقيق. وما هذا التهميش للحياة السياسية إلا نتيجة للفساد المنتشر، وسياسة حرق المراحل التي وقع اتباعها منذ اندلاع الثورة. لكأن الشعب يقول بصوت واحد : إنه لا مجال لارتداء البلاد ثوبا جديدا على جسد فاحت رائحة عفنه حتى أزكمت الأنوف. الانتخابات مرحلة هامة في تاريخ البلاد، لا بد من المشاركة فيها ولكن، أليس من الخطأ اجتيازها في هذه الفترة ؟. ألسنا بذلك نعالج خطأ بآخر ؟. وهل بوسعنا تحمل النتائج الوخيمة المترتبة عن سياسة حرق المراحل التي اتبعناها حتى الآن، ولم يعد يسعنا التراجع عنها ؟. أسئلة نسعى لإيجاد إجابات لها بالتوازي مع مواصلة إجراءات تنقية البلاد وتطهيرها. إجراءات على درجة من الدقة، تم الإشادة بخطأ بعضها من الناحية القانونية، ناهيكم عن تلك التي لم يسع المجال بعد للشروع فيها. ملف " تجارة النحاس " على سبيل المثال يعد أحد الملفات الشائكة التي لم يقع التطرق إليه بعد. قطاع أثرى فيه كثيرون رغم وضعيتهم غير القانونية لمجرد دخولهم تحت مظلة أباطرته، في حين طال الخراب أولئك الذين تمسكوا بوضعيتهم القانونية رافضين الدخول تحت مظلة الإثم، وزج ببعضهم في غياهب السجون. عديد الملفات المشابهة التي قد يؤدي مجرد التحقيق فيها إلى الإطاحة ببعض النزهاء المتواجدين على الساحة، اكتشاف تورط أخرين ممن اعتزلوا الحياة السياسية منذ سنوات عدة، وربما البحث في تاريخ أخرين رحلوا عن هذا العالم. شبكة ضخمة تنطوي على فساد كبير، لن يقوى محققونا ولجان وهياكل البحث والتحري على جذبها بكاملها دون دعمهم ماديا ومعنويا. حاجة ماسة إلى إحداث صندوق لمحاربة الفساد، وهيئة عليا له إن اقتضى الأمر، مهمتها السهر على تنقية البلاد، تقديم رؤوس الفساد السابقون منهم واللاحقون للمحاكمة، إضافة إلى إنشاء مطبوعة خاصة تتضمن كافة أعمال البحث والتحري وإجراءات المحاكمة. ذلك ما يجعل الدماء تسري مجددا في عروق شعب محبط، تعرض لشتى أنواع الظلم، يجد نفسه الآن مجبرا على المشاركة في تقليد البلاد ثوبا جديداً يدرأ به فسادا لا يليق درؤه. الانتقال إلى مرحلة سياسية أخرى من تاريخ البلاد خطوة لا بد منها، ولو أنها منطقيا ليست الدرجة الأولى في سلم الانتقال السياسي. مرحلة بلغناها بكل ما تنطوي عليه من أخطاء وقفز عشوائي، من شأن المشاركة فيها تحميلنا أعباء أخرى بالنظر إلى ما ستسفر عنه نتائج إجراءات بحث وتحرٍ أملنا أن تكون جارية على قدم وساق. لكأن المساس بالثوب الجديد، مهما كانت نصاعته، هو الوسيلة الوحيدة لبيان أن للبلاد ربا يحميها.