بقلم: آسيا العتروس كثيرة هي الدروس المباشرة كما الدروس غيرالمباشرة التي سترتبط بمحاكمة الرئيس المصري السجين حسني مبارك، واذا كانت هذه المحاكمة قد أعادت ثقة المصريين في القضاء المصري وأحيت الامل في نفوس الكثير من أهالي شهداء الثورة الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم من أجل وضع حد للظلم والاستبداد فان الاكيد أنها زرعت الرعب والخوف في نفوس الكثير من المستبدين الذين يرفضون الاعتبار بما يحدث في مصر ويصرون على أن ما حدث ويحدث لمبارك لا يمكن أن يصيبهم. بل الارجح أن ما يتعرض له الرئيس المصري اليوم من مسائلة وحساب سيمنح بقية الطغاة المتربصين بشعوبهم من ليبيا الى اليمن وسوريا وقبلها تونس رغبة جامحة في مواصلة عمليات القمع والترهيب لمصادرة الاصوات الاحتجاجية وقطع الطريق أمام رياح التغييرالتي تهب على المنطقة. وقد لايكون من المبالغة في شيئ وبعد كل الدماء التي أريقت والارواح التي أزهقت من أجل بقاء واستمرار أنطمة فقدت كل مبررات البقاء وضاعت شرعيتها المهتزة على وقع الدبابات والمدرعات والرصاص الذي لا يفرق بين طفل أوشيخ الاقرار بأن هؤلاء لن يترددوا في اللجوء الى كل الحلول العسكرية المتبقية لديهم لابعاد شبح مبارك عن أعينهم وازالة صورته أمام القضاء من مخيلاتهم. مبارك مجددا في قفص الاتهام، الرجل الذي حكم مصر على مدى ثلاثين عاما بيد من حديد يمثل أمام العدالة لتقول كلمتها في تحديد مصير"الريس" فقد انتهى زمن كان خروج مبارك تتوقف له البلاد والعباد ويتجند له الملايين للهتاف باسمه... على عكس توقعات الكثيرين اذن في مصر وخارجها ظهرالرئيس المصري السجين بالامس للعلن مجددا وهو مسجى في قاعة المحكمة أمام عدسات المصورين وأهالي ضحايا الثورة المصرية وغيرهم من الحضور الذين عجت بهم القاعة أمس في الجلسة الثانية لمحاكمة حاكم مصرالسابق وابناه ووزير داخليته. وعلى غرار المطلوبين للعدالة ظهر مبارك ونجلاه أمام عدسات المصوريين ولم تفلح محاولات علاء وجمال في صد الكاميرا ومنعها من نقل صور والدهما من حين لاخر. في نفس المكان الذي ألقى مبارك فيه خطابه في الذكرى التاسعة والخمسين بعيد الشرطة مهددا بشن الحرب على الارهاب والاهابيين قبل أيام فقط على سقوطه خضع "الريس" للمحاكمة للمرة الثانية على التوالي ولكن مع اختلاف مهم وهي أن الاكاديمة التي تحولت الى قاعة محاكمة قد ألغت اسم مبارك الذي طالما التصق بها. ولاشك أن قرار المحكمة بالتراجع والتوقف عن بث أطوار المحاكمة بعد أن كانت أقرت خلال الجلسة الاولى بعكس ذلك من شأنه أن يثير أكثر من نقطة استفهام حول هذا التحول الذي وان لم يكن مستبعدا منذ البداية فانه قد شكل مفاجاة للكثيرين. يبقى المهم أيضا أن قرينة "الريس" التي اختارت الغياب عن المحاكمة وتجنيب نفسها وعائلتها المزيد من الاهانات والالام. من الواضح أن المحكمة ارتأت طمأنة الرأي العام المصري واقناعه بأن المحاكمة جدية وليست صورية وهوما يفسر ظهور الرئيس السجين بذلك المظهر المهين على سرير نقال في الجلسة الاولى والثانية، وربما تكون المحكمة اعتبرت أيضا أن الاستمرار في نقل أطوار المحاكمة سيبعد اهتمام المصريين بالقضايا المصيرية الراهنة وسيكون له وقع سلبي على الرأي العام وربما يدفع الى مواجهات خطيرة في الشارع المصري قد تؤدي الى مزيد تقسيم وشرذمة المصريين في مرحلة لا تحتمل المزيد من الاعباء الامنية وغيرها. كل المؤشرات تؤكد أن محاكمة مبارك قد تطول لتتحول الى مسلسل أسبوعي أوشهري قبل أن تقول العدالة كلمتها النهائية وفي كل ذلك فان قراروقف بث أطوار المحاكمة وان كان سيثير حفيظة الكثيرين ممن يعتبرون أن من حق الشعب المصري متابعة كل أطوار محاكمة القرن فانه في المقابل سيريح بالتأكيد تلك الفئة التي تثير المحاكمة بداخلها مشاعر الخوف والرعب من يوم مماثل قد لا يكون بالبعيد...