بقلم: مراد الجابري كما يقول العلامة عبد الرحمان إبن خلدون في دراسته لعلم التاريخ « إن التاريخ في ظاهره لايزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق» (كتاب المقدمة) بعد أن نشر الداعية الشيعي ابو عبد الله الصنعاني مقومات الحكم الفاطمي معتمدا على البربر في تنظيمه العسكري الذي أسقط به مدينة رقادة عاصمة الحكم الأغلبي، وبالتالي إيذانا بإضمحلال الدولة الأغلبية وبداية الدولة الفاطمية، نصب هذا الداعية الشيعي «الإمام عبيد الله المهدي» رمز المذهب الشيعي والقادم من المشرق ليؤسس اول حكم شيعي وعاصمته المهدية.. إنها الدولة الفاطمية الإسماعيلية وبما أن هذه الدولة الوليدة «إيديولوجيا» ترتكز على التوسع لتتغلب على الجميع وتحكم العالم بالعدل تحت حكم عبيد الله المهدي. وبما أن هذا التوسع يتطلب موارد مالية ضخمة لتسليح المؤسسة العسكرية، قامت الدولة الفاطمية بإثقال كاهل السكان بإقريقية بالضرائب من «الخمس» والغنائم والغرامات والمصادرات لتلبية النفقات العسكرية لحماية» الإمام الحاكم «عبيد الله المهدي الذي يتصف بالعصمة من الخطأ وصاحب العلم الباطن ذو المصدر الإلاهي... هذا الحكم الذي يستمد شرعيته من القرابة الدموية والحق الشرعي في وراثة الرسول (ص ع س) قابلته في الجهة المعاكسة اسس فكرية مناقضة لمفهوم الحكم الفاطمي ومبنية على المساواة بين البشر، والديمقراطية،إنها ثورة إبي يزيد صاحب الحمار حيث شكلت هذه الثورة حدثا بارزا بإفريقية (تونس) بداية من سنة 943 ولمدة 4سنوات، وتمثلت هذه الثورة في قيام جموع من البربر بمساندة العرب الساخطين على الحكم الفاطمي تحت قيادة فكر الخوارج، بالتصدي لسياسة التمييز التي بدأت تتشكل بعد فترة المساواة والعدل،التي فتح بها العرب المسلمون إفريقية، لأن مصالح الطبقة الحاكمة أبلغ من النداءت السمحة لأي مناد؟ فبعد أن كان الداخلون في الإسلام يعفون من الجزية، اصبحوا مثقلين بالضرائب، فظهر تعصب الطبقة الحاكمة ضد البربرالسكان الأصليين للبلاد والذين لجأوا لفكر الخوارج،مثل المقموعين والثائرين القادمين من المشرق، والمدافعين عن المساواة والثورة على الظلم، فالمذهب الخارجي الذي كان يمثل النواة الجنينية للديمقراطية لأنه كان يعبر عن طموح أتباعه في الخلاص من الإستعباد والخضوع لفئة حاكمة تتذرع بالأهلية القانونية للتفرد بالحكم دون سواها، وإن كانت اسس التفرد متنوعة فهي تصب في خانة واحدة وهي عدم خروج الحكم من هذه الطبقة المتنفذة، التي تملك الجاه والثروة. فرأى البربر في الفكر الخارجي قربه من الديمقراطية البربرية التي تنادي بإقامة دولة مسلمة مستقلة عن السلطة المركزية ويحكمها مجلس شورى، لذلك زحف الثوار بقيادة الثائر» صاحب الحمار» للسيطرة على معظم البلاد الأفريقية مدنا وأريافا ومقارنة بثورة 14 جانفي فإن تشابه مطالب الثورتين اللتين كانتا في إتجاهين متلازمين، سياسية تطالب بالحريات والمشاركة الحقيقية لجميع أفراد الشعب في الحكم ورسم إختيارات الدولة وإجتماعية بالمطالبة بالعدالة والحق في التنمية والعيش الكريم وتوزيع الثروة على جميع أفراد الشعب هذه مطالب ثورة صاحب الحمار وثورة 14 جانفي. لكن، إن صمد الفاطميون للدفاع عن عاصمتهم المهدية لمدة شهور، فإن العاصمة المركزية للحكم بتونس سقطت في ليلة واحدة بهروب الرئيس المخلوع..، وإن كان حلم «الشعب التونسي» الثائرفي القرن 10 ميلادي لم يتحقق، حيث قمعت الدولة الفاطمية ثورة صاحب الحمار، لكنها راكمت في مخزونه الحضاري ومخياله الشعبي كيفية إدارة الثورات، وها هي ثورة علي بن غذاهم بعد 9 قرون أخرى ضد حكم الباي ويده الطولى الوزير الأكبر مصطفى خزندارالذي عاث في البلاد فسادا بمعية بطانته الجاثمة على كاهل الشعب التونسي، المنهك بالأوبئة والفقر والجهل، ومن مفارقات التاريخ كذلك ان الدولة الفاطمية عملت على تحويل اركان حكمها إلى المشرق بالقاهرة لأنها تأكدت أن هذه الأرض هي أرض الثورات ضد الظلم والقهر، فتيقن الفاطميون أنهم لن يناموا قريري العين ولن يستقر الوضع لهم في هذه البلاد ما دامت الروح الثورية تسكن بواطن هذا الشعب البطل فهربوا بحكمهم إلى المشرق، وليس بالصدفة أن يسلك الرئيس المخلوع نحو المشرق للبحث عن نفس الطمأنينة لكنه بلا سلطان ولاجاه، وكما تخلص عبيد الله المهدي من باني ركائز دولته الإيديولوجية الداعية الشيعي أبوعبد الله الصنعاني بقتله، فإن الرئيس المخلوع ضحى باقرب مستشاريه التارزي المحنك صاحب المقص الذهبي وزير الدولة المستشار الذي كان يجيد فن الخياطة ورسم الغرزة لسياسات المخلوع إلى أخر أيام حكمه فتخلص منه بإقالته وبكلمة»غلطوني». ختاما.. ثورة 14 جانفي تفتح الأفاق للشعب التونسي الأبي، لتمرر رسالة مبطنة لكل من يسعى أن يتسلط بجلباب القدسية مستغلا الدين لتمرير أطروحات رجعية براء الدين منها كبراء الذئب من دم سيدنا يوسف، له أن يتعظ من ثورة صاحب الحمار على صاحب العصمة الإمام المنتظر. والحديث قياس..