عرفت بلادنا خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان ظاهرة ليست بالجديدة إلا أنها تفاقمت وتتمثّل في انتشار باعة «المرقاز» على قارعة الطريق كما عرفت عديد المحلات غير المخصّصة نشاطا دخيلا وهو بيع حلويات العيد بأنواعها.. هذه المشاهد دفعت بنا الى القيام بهذا التحقيق لكشف عديد الأسرار المرتبطة بهذه الأنشطة التي لا تتوفّر بها أبسط قواعد الصحة.. ومع غياب المراقبة الصحية والاقتصادية صارت عملية الانتصاب غير خاضعة لكل الضّوابط والقوانين المنظّمة لها..ليصبح المستهلك الهدف لهذه الفئة من التجار.. «الأسبوعي» رصدت آراء كل المعنيين ورأي المستهلك والدوافع التي جعلته يهجر المحلات المراقبة والمنظّمة ويلتجئ لمثل هذه «الفضاءات» الحرة، رغم وعيه بخطورة ما يعرض أمامه من سلع. جولتنا انطلقت بالبحث عن أسباب تكاثر عربات «المرقاز» في شهر رمضان بشكل ملحوظ حيث تتواجد بالأمكنة ذات الحركية الكبيرة والغريب أنّ بعض الباعة اتخذوا- بعد 14 جانفي -من واجهة مركز الفن الرابع بالعاصمة وكذلك بالمنزه السادس مكانا لانتصابهم).. فصار الدخان الاسود متصاعدا من المكان برائحته المعهودة وبدا المشهد نشازا مع جمال شارع الحبيب بورقيبة. استياء خلال جولتنا في أزقة تونس وأنهجها كان شعار بائعي المرقاز في أي مكان ما أثار استياء أصحاب المحلات وحتى المارة حيث قال محمد وهو صاحب محل أحذية: «عانينا ولازلنا نعاني من أولئك الذين يتخذون من واجهات محلاتنا مكانا لعرض سلعتهم , ولعل الجديد في هذا الشهر عربات المرقاز التي اقلقت المارة والزائرين والروائح المنبعثة منها، وهذا غير معقول». ويؤيد فارس هذا الراي اذ قال:«أين فرق الرقابة والشرطة البلدية وحفظ الصحة وكل جهة مسؤولة عن صحة المواطن وعلى الحفاظ على جمالية شوارع العاصمة فهل أصبح تاريخ تونسالمدينة وأحوازها مهددا بالاختناق وفقدان زواره الباحثين عن جماليته في ظل هذا الدخان المتصاعد من مشوى المرقاز وهذه الرائحة الكريهة المنبعثة منه؟». ولعل ما ذهب اليه فارس قد نادى به متساكنو بعض العمارات المتواجدة في «قلب» العاصمة الذين اختنقوا برائحة المرقاز. تنسيق ان أهم ما يمكن للباحث عن «سندويتش مرقاز» في سهرة رمضانية وسط العاصمة هوالتوزيع الجغرافي المنتظم لعربات المرقاز في مساحة ليست بالكبيرة حيث يقول عصام وهو بائع مرقاز :«يتم تزويدي بالمرقاز وبقية الباعة المنتشرين هنا وهناك من جزار وحيد وأعتقد ان هذا التمشي منتهج في مناطق أخرى». متواجدون وفي رده عن هذه التساؤلات قال الخطوي الحليوي مسؤول بالشرطة البلدية ببلدية تونس :«في البداية لا بد من التوضيح انه- وخلافا لما توقعه كثيرون- فان عربات المرقاز في تراجع هذا العام تحديدا في هذا الشهر إلا أننا لا نمتلك ارقاما. أما عن القول بغياب الرقابة وما شابه فاننا متواجدون بشكل يومي حيث نقوم بدوريات مشتركة مع الشرطة والجيش الوطني، وللاشارة فانه لم تصلنا تقارير بشان وجود عربات مرقاز في موقع غير مناسب مقلق للمارة ولأصحاب المحلات ولجمالية المكان لأننا لا نتسامح مع أي انتصاب في الطريق العام وقد اتخذنا من قبل الاجراءات الضرورية لإبعاد أشخاص منتصبين بشكل فوضوي في الطريق العام في وسط العاصمة. لذلك فاني اؤكد اننا متواجدون وبشكل دوري لاي إضرار او أي إخلال بالمشهد العام للمكان». تذمّر جولتنا لم تقتصر على عربات المرقاز بل بحثنا داخل الأسواق بالعاصمة في ظاهرة انتشار باعة حلويات العيد في أماكن متعددة من العاصمة إذ ثبت لدينا انتشار الباعة حيث ما حللت وهو ما أزعج عديد الباعة إذ قال لنا مختار بن مبروك صاحب محل لبيع المرطبات: لقد عانينا هذا العام من الانتصاب الفوضوي وغياب المراقبة الصحية والاقتصادية ما أثر سلبا على سمعتنا كمهنيّين ولعل إقبال المستهلك على هذه البضاعة يعود للقدرة الشرائية لفئة من المواطنين ما، أطلبه من المسؤولين على المراقبة مزيد من الحزم وتعدّد الخرجات لتفادي المخاطر. بو العيلة ما عندو حيلة عبد الستار الغربي وجدناه أمام أحد الباعة أجابنا بالقول كيف لي أن أوفر مستلزمات حلويات العيد والأسعار من نار إضافة للملابس وغيرها. في مثل هذه الأماكن وجدت ضالّتي كل ما يهمّني الأسعار المنخفضة رغم اقتناعي برداءة جودة المعروض. تطهير القطاع ومراجعة الآداءات لمعرفة حقيقة الأسعار لهذا المنتوج ونعني به حلويات العيد المطابقة للمواصفات واعتماد صانعيها للمواد الأولية الضرورية كاللوز - الفسدق- الجوزة-البندق - البوفريوة وغيرها، كان لنا لقاء خاطف مع أحد المختصين محمد زروق الذي أشار -في بداية حديثه- الى أن ظاهرة انتشار تجارة حلويات العيد خلال شهر رمضان. له ما يفسره قائلا:« إن تعطل عديد المحلات خلال هذا الشهر يجعل الفرصة سانحة لعديد من المتطفلين لامتهان هذه المهنة واعتمادهم لطرق عديدة لكسب ثقة المواطن ومن أبرزها التخفيض في أسعار هذه المواد لكن حين يتم التثبت في مكوناتها يجد فرقا شاسعا. إذ يتم اعتماد عدة مواد مثل الخبز - الشامية - الكاكوية - السميد بدل المواد الأساسية ليصبح السعر مضاعفا - إضافة لطرق صنعها وظروف عرضها وتعليبها. محدثنا أضاف أن أصحاب المهنة الاصليين لهم عديد الالتزامات والتكاليف التي تثقل كاهلهم على امتداد السنة ، كما أن العلامة التجارية لبضاعتهم لا تدفعهم للمساس بالجودة والمواصفات التي يبحث عنها مجموعة كبيرة من حرفائنا رغم غلاء أسعار المنتوج الذي تعرض على امتداد السنة. أن ظاهرة تواجد هؤلاء الباعة لا تزعجهم باعتبارها ملجأ لضعاف الحال لكنهم يعانون من إجراءات تخص الضرائب فمنتوجهم يخضع للاداء على القيمة المضافة 18% في حين تجد باقي الناشطين الآخرين في هذا المجال وخصوصا أصحاب المخابز الذين يغيّرون نشاطهم لا يعترفون بمثل هذه الأداءات لأن نشاطهم هذا يظل موسميا. محدثنا أكد في نهاية حديثه على ضرورة تطهير القطاع من المتطفّلين حماية لصناعة الحلويات التي تظل من الصناعات التقليدية التي حافظت رغم تطويرها على جذورها التونسية والتركية والاسبانية. نعول على وعي المواطن من جهته يرى الدكتور الطاهر الغربي رئيس قسم التكوين والإعلام بمعهد التغذية أن ظاهرة بيع «المرقاز» على قارعة الطريق وفي ظروف صحية متدهورة. لا يمكن السكوت عنها في ظل التسيب الموجود اليوم نظرا لما تعرفه البلاد فنوعية البضاعة (المرقاز) المعروضة لا يمكن أن تستجيب لمواصفات المادة الغذائية السليمة باعتبار اعتماد عديد صانعي هذا النوع من المأكولات الشعبية على أنواع مختلفة من اللحوم. تكون الشحوم طاغية على تركيبتها ولا يكتفي القصابون بذلك بل يعمدون إلى إضافة مواد ملونة يمكن أن تصنف بالخطيرة على صحة الانسان لتغير لونه من بين الأسباب التي تعرّض صحة الانسان للتسمم. كما أن فئة كبرى من الزبائن تكون مصابة بعدة أمراض مزمنة، فتعرّض صحتها للتعكير. فبالوعي فقط يمكن لنا تفادي مثل هذه المخاطر الصحية. أما عن تجار حلويات العيد فإن ذلك يُعَدُّ من الممارسات التي تعوّد عليها المواطن من ذوي الدخل الضعيف لارتياد هذه الأماكن حيث تنعدم الظروف الصحية للبضاعة المعروضة وكذلك تركيبتها . من جهة أخرى أفادنا الدكتور الطاهر الغربي الى ضرورة الانتباه الى إفراط المواطن في استهلاك هذه الأصناف من الحلويات وما تسببه من انعكاسات سلبية على صحته (عدم مطابقتها للمواصفات من ناحية) وتأثيرها السلبي على المرضى المصابين بداء السكري. محدثنا أشار -في نهاية حديثه- الى ضرورة تسلح المواطن اليوم بوعي كبير لاجتنباب مثل هذه السلوكات الخطيرة. انعدام التنسيق وباتصالنا بوزارة الصحة أشار المسؤول هناك عن المراقبة الصحية محمد الرابحي الى الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد في هذه الفترة إذ اتضح لدى المعنيين أن الشأن الصحي لم يعد يهم سوى القليل القليل من الذين يسعون للمحافظة عليها. وقد بيّن في هذا الصدد أن غزوا من المواد الغذائية قد عرفته بلادنا وفي غياب المراقبة الفنّية بالديوانة لعديد المواد المورّدة فإنه من الواجب أن نهتم بالجانب التحسيسي دون انتظار ما ستقوم به الفرق المختصة التابعة للتراتيب البلدية. إن تفشي ظاهرة تجارة المرطبات وحلويات العيد بطريقة عشوائية وغير منظّمة ودون مواصفات من شأنه تعريض صحة المواطن الى الخطر خصوصا أن عملية صنعها وطريقة عرضها لا تخضع لاي مراقبة. من ناحيتنا واصلنا عملنا باعتماد فرق مختصة للمراقبة وهذه «الخرجات» كانت مقتصرة على المحلات التي لها عنوان ومقر ولم تسجل في هذا الخصوص أي تجاوز لحد الآن في انتظار الانتهاء من إجراء التحاليل للعينات المأخوذة . أما عن التجار الهامشيّين والوقتيين فإن انتشارهم في عديد الأماكن زاد عن حده. ولم نتمكن لحد الآن من التنسيق مع الفرق الثلاثية لاجراء المراقبة الضرورية والردع، في ظل هذه الظروف وما يمكن أن يتعرض له الأعوان من اعتداء وعنف لذلك لابد من توخّي والحذر من طرف المواطن دون انتظار تدخل الاطراف التي تعوّد تدخلها ليحمي صحته من كل الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها. محدثنا أشار في نهاية حديثه الى ضرورة التزام هؤلاء التجار بالحد الأدنى من المواصفات وعرض بضاعتهم في أماكن محمية من كل مصادر التلوث وللمواطن المستهلك حرية الاختيار بين ما هو فوضوي وما هو منظم باعتبار أننا نمتلك كل الصلوحيات المخوّلة قانونا للتدخل والردع، تجاه كل إخلال صادر من محل من المحلات المعترف بها والمنظمة.