بقلم: الأستاذ بوبكر الشبعان كثرت الشهادات وتوالى النشر وإذاعة الأخبار بعديد وسائل الإعلام المكتوبة بالخصوص الصادرة بالداخل والخارج عن تورط واحد من التونسيين الحامل للجنسية وهو زين العابدين بن علي في عمل الاستخبارات الخارجية بالخصوص وتعامله معها بصفته أحد أعوانها النشيطين. فقد ثبت من خلال شهادات نقلت عن وسائل إعلام صهيونية في إسرائيل أنه كان عميلا لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) واستفاد هذا من تعاونه ومساندته السرية فيما حصل من اعتداء على المجاهدين الفلسطينيين المستقرين في بلادنا في واقعتين شهيرتين لا مجال لإعادة استعراضهما الآن إذ كتبت في هذا الخصوص الصحافة الوطنية بعناوينها المختلفة. وفي الخارج صحيفة (البطة المغلولة le canard enchainé) وكتاب (صديقنا بن علي) الصادر بفرنسا أيضا. وما كانت تنشره هناك صحيفة (الجرأة) لصاحبها الصحفي التونسي سليم بقة. إن المدعو زين العابدين بن علي هو تونسي مولود بتونس لأبوين تونسيين ويحمل الجنسية التونسية ولا توجد وثائق أخرى لإثبات هوية مغايرة له. وبصفته تونسيا وارتكب الجريمة الاستخباراتية التي تحدثنا عنها من خلال بداية حجج عديدة من تصريحات أشخاص ومقالات صحفية وما وفرته جملة ذلك من قرائن قوية تفيد انغماسه في أعمال الجوسسة والتخابر مع أجهزة دولة أو دول أجنبية بعضها معاد للدولة التونسية. قلنا بصفته تلك كان من اللازم أن تثار ضده الخيانة بالتخابر مع سلطة أجنبية ويقع تتبعه في شأنها مثل أي مواطن تونسي يرتكب تلك الجريمة وعلى قاعدة القانون العام الجنائي. ورغم ذلك لم نر أي تحرك من جانب السلطة ذات النظر على هذا الأساس. بل إننا أنصتنا إلى نقاش جرى ذات ليلة على شاشة التلفزة الوطنية بين المنشط التلفزي وأحد المسؤولين المختصين انتهى الى نتيجة أنه لا يمكن تتبع زين العابدين بن علي من أجل جريمة الخيانة إلا على أساس ما تضمنه الدستور من أحكام. فلماذا أهمل تتبعه على أساس قاعدة القانون العام باعتباره مواطنا تونسيا وهو إجراء قانوني صحيح وها نحن نستعرض نصوص القانون الجنائي التي تسمح بإجراء هذا التتبع. فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 60 من المجلة الجنائية المنقح بالأمر المؤرخ في 10 01 1957 على أنه (يعدّ خائنا ويعاقب بالقتل كل تونسي اتصل بدولة أجنبية ليدفعها الى القيام بأعمال عدوانية ضد البلاد التونسية وليوفر لها الوسائل الى ذلك بأي وجه كان). وتقول الفقرة الخامسة من النص نفسه أن (كل تونسي في زمن الحرب وتونس توجد طبعا ودون منازع من الناحية القانونية في حالة حرب مع إسرائيل يتصل بدولة أجنبية أو بأعوانها ليساعدها في اعتداءاتها على البلاد التونسية). واقتضى الفصل 60 مكرر المضاف بموجب الأمر المؤرخ في 10 01 1957 أنه (يعدّ خائنا ويعاقب بالإعدام كل تونسي يفشى الى دولة أجنبية أو إلى أعوانها بأي وجه كان ومهما كانت الوسيلة سرا من أسرار الدفاع الوطني أو يتحصل بأي وسيلة على سر من هذا القبيل بقصد إفشاءه الى دولة أجنبية أو إلى أعوانها). ونصت الفقرة الرابعة من الفصل 61 المنقح بالأمر المؤرخ في 10 01 1957 من المجلة المذكورة أنه (يعدّ مرتكبا للاعتداء على أمن الدولة الخارجي ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها بالفصل 62 من هذا الأمر كل تونسي يراسل في زمن الحرب وبدون إذن الحكومة راعيا أو أعوان دولة معادية أو يربط معهم علاقات). وتضمنت الفقرة الثانية من الفصل 61 مكرر المضاف بالأمر المؤرخ في 10 01 1957 أنه (يعدّ مرتكبا للاعتداء على أمن الدولة الخارجي ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها بالفصل 62 من هذا الأمر كل تونسي يربط مع أعوان دولة أجنبية اتصالات الغرض منها أو كانت نتيجتها الإضرار بحالة البلاد التونسية من الناحية العسكرية أو الناحية الدبلوماسية). وطبقا لما أفادت به بدايات الحجة والتصريحات المختلفة كما رأينا ومن أبرزها أيضا واقعة ما كشفه المرحوم مروان بن زينب وما يمكن أن تنتجه أعمال التحقيق الوجوبية في هذا المضمار وما تكشفه من الحقائق التي يلفها الغموض لحدّ الآن فإن ذلك الشخص ذي الهوية التونسية والعضو في مجتمع المواطنة كان من الأولى والأكيد أن يتم تتبعه أولا وقبل كل شيء من أجل الأفعال الجرمية التي استعرضناها والتي تنطبق عليها الأحكام العامة للمجلة الجنائية ويمكن أن يكون لها تأثير حقيقي وفاعل على تنفيذ البطاقات القضائية الصادرة ضده لتسليمه للقضاء الوطني. ولنقل أخيرا أنه لا فرق بين جريمة قتل أو تآمر بقصد الخيانة يرتكبها مواطن قبل كل شيء ثم رئيسا بعد ذلك. ومن المعلوم أن جريمة الخيانة بالتجسس والاتصال بالأجهزة الأجنبية ضد دولة الوطن أكثر أهمية وأشدّ خطرا من جرائم الاعتداء على المال بكل أشكاله. ولا ننسى كذلك أن هناك أفعال ارتكبها المعنى بالأمر تتناول الاعتداء على الذات البشرية بالقتل والتعذيب خلال ممارسته لمسؤولية رئاسة الدولة وهي موثقة وحقيقية وأعمال قضاة التحقيق الجارية في شأنها الآن فيها أعتقد ستزيدها ثبوتا وتوثيقا خدمة للحقيقة المطلقة. فهل يحق لوكلاء الجمهورية إثارة الدعوى العامة من تلقاء أنفسهم فيما يتعلق بالأفعال المنسوبة لذلك الشخص بوصفه مواطنا تونسيا وعلى قاعدة القانون الجزائي العام. إننا نجيب من أول وهلة بنعم. فالتصريحات والوثائق التي أتينا عليها آنفا وما ستفرزه الأبحاث التحقيقية الجارية والواجب القيام بها وإثارتها عند الاقتضاء كل ذلك يمثل حافزا شرعيا لقلم الادعاء العام بأن ينطلق مباشرة ويجسم سلطاته الواضحة الواردة بنص الفصل 26 من مجلة الإجراءات الجزائية ويفعله وهو القائل (وكيل الجمهورية مكلف بمعاينة سائر الجرائم وتلقى ما يعلمه به.. أو أفراد الناس من الجرائم). أي أن قيامه بواجب الدفاع عن المجتمع والذود عنه بقمع كل أعمال الاعتداء ومساءلة المتعدي لا يترقب فيها تقدم شاكى أو مدعي حق. فمجرد الإطلاع على ما نشر للعموم وما سجل على الأفراد من أقوال يمثل إعلاما من بعض أفراد الناس لأمور خطيرة تستوجب المعاينة والتمحيص والتحقيق لصبغتها الجنائية. ولا شك أن ما حصل من الوقائع التي سال حبر كثير في شرحها كاف للسعي في القيام بكل ما يجب وفق القانون وفي الوقت المناسب لتبرز الحقيقة وتعلو سلطة القانون. ولا يفوتني التنويه بآراء بعض الزملاء المحترمين الذين شاطروني هذا الرأي من سابق كالاساتذة عبد المجيد العبدلي وعبد الرؤوف العيادي وعلي الهرابي وغيرهم. إن كل الناس ديدنهم البحث بجدّ وصبر لكل ما يقنع ويوثق به بعد أن صرنا أحرارا نتكلم بمسؤولية وكلما دعتنا مصلحة بلادنا لذلك.